الوطن

ضغوط أوروبية لدفع الجزائر إلى تقديم تنازلات

رغم الخطوات التشريعية التي قطعتها الجزائر، صوّت البرلمان الأوروبي، مؤخرا، لصالح إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول المصنّفة عالية المخاطر في مجالي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

  • 6799
  • 4:14 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

تواصل الجزائر جهودها للخروج من قائمة الدول المصنّفة عالية المخاطر في مجالي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، في سياق سياسة وطنية شاملة لتعزيز الرقابة المالية وترسيخ الشفافية داخل الاقتصاد الوطني.

ورغم الخطوات التشريعية والتنظيمية التي قطعتها الجزائر في السنوات الأخيرة، صوّت البرلمان الأوروبي، مؤخرا، لصالح إدراج الجزائر ضمن هذه القائمة، إلى جانب تسع دول أخرى بينها كينيا ولبنان وفنزويلا وموناكو.

وجاء التصنيف في إطار تحديث دوري تجريه المفوضية الأوروبية، التي تعتمد هذه القائمة كمرجع تنظيمي للدول التي تشكل تهديدا محتملا على نزاهة النظام المالي الأوروبي، نتيجة قصور في آليات الرقابة والشفافية.

وفي المقابل، أزيلت ثماني دول من القائمة، من بينها الإمارات العربية المتحدة والفلبين وبنما وجبل طارق، بعد تحقيقها تقدمًا ملموسًا في إصلاح أنظمتها الرقابية.

خبراء: مزيد من الضغط على الجزائر

وفي تعليقه قال الدكتور دراجي هشام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2 في تصريح لـ "الخبر": إنه لمحاولة فهم وتحليل قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بإدراج الجزائر ضمن القائمة الرمادية للدول عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، يجب علينا العودة بالزمن إلى سنة 2023 تاريخ صدور أول تقارير مجموعة العمل المالي الدولية، والذي عملت بعده الجزائر مع هذه المجموعة منذ أكتوبر 2024 على سد الكثير من النقائص المسجلة في نظام مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، لا سيما ما تعلق منها بضعف الرقابة على المؤسسات المالية غير المصرفية وغياب الشفافية في الشركات ونقص فعالية التبليغ عن المعاملات المشبوهة، بالإضافة إلى ضعف تنفيذ العقوبات المالية ضد جرائم تمويل الإرهاب.

وتابع "بعد جهود حكومية كبيرة، قدمت مجموعة العمل المالي الدولية عدة تقارير أكدت إحراز الجزائر تقدمًا تقنيًّا كبيرا في انتظار استكمال بقية التقارير التقنية والفنية المتعلقة بإصلاح النظام التشريعي والتنفيذي، وهو ما تعمل عليه الحكومة الجزائرية من خلال طرح مشروع القانون المعدّل والمتمم للقانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما على البرلمان لمناقشته، حيث أكد وزير العدل في مستهل عرضه أمام المجلس الشعبي الوطني، أن مشروع القانون يجسد تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حول مدى تطبيق توصيات مجموعة العمل المالي الدولية، وأن التكفل بهذه التوصيات سيمنح الجزائر الوقت الكافي إلى غاية شهر نوفمبر 2026 لإعداد قانون جديد للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وفقا لمنهجية العمل الجديدة لمجموعة العمل المالي الدولية، والتي تم اعتمادها خلال السنة الجارية، ليدخل قرار الاتحاد الأوروبي الأخير في محاولة صريحة لعرقلة التقدم المسجل تقنيا في هذا السياق، خاصة وأن الجزائر تلتزم بخطة عمل منهجية وفق تواريخ مضبوطة بدقة لا يمكن الخروج عليها.

على مستوى آخر، لفت الدكتور هشام دراجي، أن ردود الفعل السياسية خاصة من نواب اليمين الفرنسي المتطرف على هذا القرار تثير الكثير من الريبة، خاصة في ظل الظروف التي تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال الأشهر القليلة الماضية، على خلفية محاولة التدخل الفرنسي في قرارات العدالة الجزائرية بعد صدور الحكم القضائي في حق الكاتب بوعلام صنصال وتبني البرلمان الأوروبي خلال السنة الجارية لقرار يدعو فيه صراحة لإطلاق صراح الكاتب، بالإضافة إلى صدور لائحة في وقت سابق اعتمدها نفس البرلمان يطالب فيها المفوضية الأوروبية بفرض المزيد من الضغط على الجزائر، لذلك قد يبدو للمتابع في هذا الشأن مدى الترابط الكبير بين هذه الأحداث في مشهد يرجّح الخلفيات السياسية لقرار إدراج الجزائر ضمن القائمة الرمادية للدول عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب على الخلفيات التقنية المرتبطة بمدى التزام الحكومة الجزائرية بتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية، والتي أحرزت فيها تقدما كبيرا كما تم الإشارة له سابقا.

من جانبه، وضح الدكتور رشيد علوش، الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، أن إدراج أي دولة وتصنيفها في القائمة الرمادية لغسل الأموال أو تمويل الإرهاب، لا يعني بالضرورة تورطها المباشر في الفساد المالي، بل هو تحذير دولي مسبق عن وجود ثغرات نظامية قد تقوّض الاقتصاد و المعاملات المالية للدولة المصنفة، وهو التصنيف الذي يمكن لأي دولة أن تقع فيه بسبب سيولة العملية التي تشبه عادة باللص القادر على التكيف مع كل السياقات والقوانين المالية لأي دولة مهما كانت قوة تشريعاتها، وهذا ما يحتم ضرورة التكييف والتحيين المستمر للقوانين تشريعات مكافحة الفساد.

تأثيرات اقتصادية محتملة

ومن جهة أخرى، قال رشيد علوش في تصريح لـ "الخبر" إن تصنيف أي دولة في المنطقة الرمادية ووضعها تحت رقابة دقيقة كبيئة معرضة لغسل الأموال أو تمويل الإرهاب، قد يكون لها أثر في ثقة المستثمرين على المدى المتوسط، ما لم تنفّذ إصلاحات مؤسسية وقانونية سريعة، وهو ما قامت به الجزائر من إعادة تصنيفها من طرف مجموعة العمل المالي في عام 2024، باعتماد العديد من التدابير التشريعية والتنظيمية بهدف تعزيز القدرات الوطنية لمكافحة الفساد وتكييف الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

يد فرنسية

وقال المحلل السياسي ذاته ورغم إصرار الجزائر وعزمها على المضي قدما ضمن خطة عمل وطنية شاملة قائمة على مراجعة وتعديل التشريعات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تحرك استباقي لإرسال مؤشرات للاتحاد الأوروبي على الجهد الجزائري لتسريع عملية الخروج من القائمة الرمادية للتصنيف، ولكن مفوضية الاتحاد الأوروبي وعبر تأثير فرنسي بغية توظيف الأزمة السياسية بين البلدين وتراجع نفوذ شركاتها في الجزائر عملت على توظيف ثقلها داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وسرّعت من عملية التصويت على تصنيف الجزائر ضمن القائمة الرمادية، في محاولة للضغط على الجزائر ومقايضتها بملفات أخرى، بهدف دفع الجزائر لتقديم تنازلات في قضايا ومسائل متعددة، لعل من أبرزها تخفيف المطالب الجزائرية بضرورة استرجاع الأموال المنهوبة والتي سجلت الجزائر في إطارها تهربا وعدم تجاوب أوروبي عامة وفرنسي على وجه التحديد، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تتعرض لها الجزائر لمضايقات وضغوط منسقة من قبل قوى وأطراف أوروبية عبر جبهات متعددة غالبا ما يكون الفرنسيون محركها الأساسي.