الوطن

قانون الإجراءات الجزائية.. ثورة تشريعية

النواب اعتمدوا أكثر من 100 تعديل في جلسة التصويت على مشروع القانون بالمجلس الشعبي الوطني.

  • 1762
  • 3:42 دقيقة
صورة: ح.م
صورة: ح.م

صادق نواب المجلس الشعبي الوطني، بالأغلبية على قانون الإجراءات الجزائية الذي يتضمن ثورة تشريعية تفرض تحديات جديدة على الجهاز القضائي وأعضاء جهاز الدفاع والمتقاضين.

واعتمد النواب أكثر من 100 تعديل، خلال الجلسة، منها إدراج مواد جديدة وإعادة تبويب للأحكام وإلغاء مواد أخرى، زيادة عن التعديلات التي أدرجت في الدراسة الأولى للمشروع.

ودعا وزير العدل بمناسبة التصويت على القانون، هيئة الدفاع التي كانت قد أبدت تحفظات قوية على عديد الأحكام التي تراها تحدّ من حقوق الدفاع والمتقاضين، إلى ترقية التنسيق والتعاون مع وزارته لأجل "بناء عدالة قوية وعصرية تكريسا لدولة الحق والقانون وحماية الحقوق والحريات".

وشهدت الجلسة رفض الوزير مقترحا يدعو لاعتماد نظام قاضي الحريات في النظام العدلي الجزائري. وقال في تعقيبه على مقترح للنائب عبد الوهاب يعقوبي، لاستحداث قاض للحريات في المحاكم "إن هذا النظام المعمول به في دولة أجنبية (فرنسا) من شأنه تعطيل الإجراءات القضائية". لافتا إلى كونه محل نقد في البلد المعتمد فيه. ونبه إلى التعقيدات التي يطرحها، إذ يتوجّب أولا تعديل قانون التنظيم القضائي، وهو قانون يسمو على قانون الإجراءات الجزائية، ثم استدرك قائلا "إن هذا الإطار لا يتلاءم مع النظام القضائي الجزائري"، في حين أكد صاحب المقترح "أن استحداث هذا النظام، من شأنه تخفيف العبء على قاضي التحقيق ويعطي للنظام القضائي بعدا إنسانيا". وعبّر عن امتعاضه من اعتراض اللجنة القانونية، مؤكدا على أن هذه الآلية ناجحة. وكان موقف اللجنة القانونية على نفس نسق وزير العدل، حيث اعتبرت أن هذا النظام "يحمل طابعًا استنساخيًا من أنظمة قانونية أجنبية تختلف من حيث البنية والمرجعية، مما قد يصعّب تكييفه مع خصوصيات النظام القانوني الجزائري". ورغم استماتته في الدفاع عن تعديلاته، لم يحظ النائب يعقوبي بامتياز تمرير مقترحاته العديدة، ومنها محاولته انتزاع تعديل يقيّد صلاحيات النيابة العامة في مجال المنع من السفر، وتكفّلت اللجنة القانونية جزئيا بالإنشغال الذي يطرحه حقوقيون، بإدراج تعديل يفرض وجوب تبليغ أمر المنع من مغادرة التراب الوطني للمعني تعزيزا لحقوق المشتبه فيهم.

ورفضت اللجنة مقترحا يوجب تسجيل استجواب الموقوفين بالصوت والصورة، ومقترح يدعو لحظر سحب جواز سفر أو وثائق هوية أي مواطن إلا بموجب أمر قضائي مكتوب". وعللت رفضها بكون المقترح يفتقر إلى المرونة اللازمة في بعض الحالات الاستثنائية، خاصة تلك المتعلقة بالأمن العام، أو بوجود خطر فوري يقتضي تدخلا سريعا من السلطات الإدارية أو الأمنية".

ومن التعديلات الجديدة إجبار الشركات المعنية بإجراءات التسوية الودية دفع غرامة مالية لا يتجاوز مبلغها 30% من متوسط رقم الأعمال السنوي للثلاث سنوات الأخيرة (المادة 99 مكرر 2)، واستحداث فصل جديد يضبط مسألة الاستدراك وتصحيح الأخطاء المرفقية المرتكبة من المحكمة العليا والتخلي عن نظام المدافعين إلى جانب المحامين المذكور في المادة 406 التي كانت تسمح لأي شخص بأن يدافع عن المتهم. ويستجيب هذا المقترح لمطالب المحامين الذين اعترضوا بشدة عليه.

ملف الحصانة يوقف الجلسة

وتوقفت جلسة التصويت عند النظر في تعديل يقيّد الملاحقة القضائية في حق أعضاء البرلمان الموجودين في حالة تلبّس، ونص أنه في حالة "ضبط عضو البرلمان متلبسا بالجرم المشهود، فيتم توقيفه وإخطار مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة فورا حسب الحالة، ولا يمكن في كل الظروف مباشرة الدعوى العمومية إلا بعد اجتماع المكتب وتقديم رده في أجل 72 ساعة، وفي حال رفض المكتب، حسب الحالة، إجراءات المتابعة يفرج على العضو فورا وتتّخذ الإجراءات المنصوص عليها في الدستور".

وبعد مشاورات بين رؤساء المجموعات البرلمانية وممثل الحكومة مع صاحب التعديل، اقتنع الأخير بمبررات اللجنة التي اعتبرت أن المقترح ليس مجاله هذا القانون، كما أنه متكفّل بموجب 130 من الدستور، فضلا عن أن قانون الإجراءات الجزائية يُعنى بتنظيم المسار القضائي العام وليس بمجال الحصانة البرلمانية التي تنظم في قوانين خاصة أو ضمن النظام الداخلي لغرفتي البرلمان، بما يتماشى مع ما يقرّره الدستور. واعتبرت اللجنة أن إدراج هذا النص يفتح الباب لتداخل غير مبرر بين السلطة التشريعية والقضائية ويضعف وضوح الإطار الإجرائي.

ثورة تشريعية

ويتضمّن القانون الجديد ثورة تشريعية، حيث يقترح إجراءات بديلة للمتابعة الجزائية للأشخاص المعنوية، على غرار إرجاء المتابعة الجزائية في بعض الجنح المحددة على سبيل الحصر، مقابل إرجاع الأموال والممتلكات والعائدات المتصرف فيها أو المحوّلة خارج التراب الوطني، أو ما يمثل قيمتها ودفع كامل المبالغ المستحقة للخزينة العمومية، وينص على "استحداث وكالة وطنية تتكفل بتسيير الأموال المجمّدة أو المحجوزة أو المصادرة لسد الفراغ المؤسساتي في مجال تسيير العائدات الإجرامية"، على أن تشمل مهامها أيضا "الأموال والممتلكات الموضوعة محل إجراءات تحفظية والقيام بعملية استرداد الأملاك والأموال المهربة خارج التراب الوطني واستحداث التسوية الودية". ومن بين الأحكام الجديدة المدرجة في مشروع القانون "تعزيز الوساطة كآلية بديلة للمتابعة الجزائية" وكذا "الإبقاء على نظام المحلّفين في الجنايات مع تخفيض العدد إلى اثنين بدلا من أربعة بالنسبة لمحكمة الجنايات الابتدائية والاستئنافية"، فضلا عن "تعزيز صلاحيات النيابة العامة". و"حماية المسؤولين المحليين وتحسين إدارة القضايا الجزائية ورقمنة الإجراءات وتبسيطها، سيما من خلال إعادة النظر في نظام المثول الفوري المطبّق منذ 2015 ".