سئل إدوار فيليب، المرشح للرئاسيات الفرنسية عن حزب "أوريزون"، هل الاستعمار جريمة؟ فكان رده على قناة "أل سي أي" بـ"لا"، في تنكر وإنكار لم يسبقه أحد. في المقابل قال الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، عند وقوفه أمام لوحة بيكاسو الشهيرة "غورنيكا" في متحف رينا صوفيا في مدريد، إن ألمانيا يجب ألا تنسى "الجريمة" التي ارتكبت في غورنيكا، حيث قُتل المئات خلال القصف الذي نفذته القوات النازية في عام 1937، ففي ذلك دليل كاف بأن ما فعلته فرنسا أفظع من النازية بكثير.
أقرّ شتاينماير خلال زيارته الأخيرة لإسبانيا من 26 إلى 28 نوفمبر الفارط، بأن الألمان ارتكبوا "جرائم فظيعة" في تلك المدينة، وأكد على أهمية عدم نسيان ما حدث، مشيرًا إلى أن غورنيكا تمثل تحذيرًا للتمسك بالسلام وحقوق الإنسان. وقال أيضا بأن هذا الحدث "غورنيكا" يمثل عبئًا ثقيلًا من الذنب على الألمان، وأكد على أهمية تذكر ما حدث في ذلك الوقت. كما حذر من أن "الحركات المتطرفة والشعبوية تكتسب قوة في مجتمعاتنا" واعتبر أن هذه اللوحة تجسد معاناة المدنيين الأبرياء. ولم يكتف شتاينماير بذلك بل قرر زيارة غورنيكا، كأول رئيس ألماني يزور المدينة منذ القصف الذي تعرضت له خلال الحرب الأهلية الإسبانية.
هذه الزيارة التي تحمل رمزية كبيرة، أرسل شتاينماير في خطابه رسالة تضامن وذكرى للضحايا، معبرًا عن تعاطفه مع الناجين والشهود على الفظائع التي حدثت في غورنيك، وقام بوضع إكليل من الزهور تكريمًا لضحايا القصف. هذه ألمانيا على كل ما قيل عن نازيتها، تعتذر على ما فعله جيشها ضد مواطني هذه القرية الإسبانية، ويترحم رئيسها على ضحاياها، معتبرا ذلك بأنه "يمثل عبئا ثقيلا من الذنب على الألمان"، بينما اليميني الذي يطمح لرئاسة فرنسا، ادوار فيليب، مع علمه بأن جرم بلاده في الجزائر كان أفظع مما فعلته النازية في "غورنيكا" الإسبانية، يقول على الملأ بأن ما فعله الاستعمار الفرنسي ليس جريمة. هل يوجد "تمجيد" للاستعمار وتنكر للتاريخ، أكثر مما قاله رئيس بلدية لوهافر الحالي والوزير الأول الفرنسي الأسبق؟.
لقد عرّى سؤال الصحفي المخضرم جون ميشال اباتي، وهو صاحب السؤال: هل الاستعمار جريمة؟، حقيقة ادوار فيليب وكشف أنه من طينة دوستو بلازي صاحب قانون "تمجيد الاستعمار" لسنة 2005 الذي أراد هذا التيار تمريره على الجمعية الوطنية الفرنسية لغسل عار مجازرهم في الجزائر التي قال عنها الرئيس ماكرون في 2017 بأنها تعتبر "جريمة ضد الإنسانية". لم يقل فيليب ذلك من باب مغازلة حزبه لربح أصوات انتخابية خصوصا من جهة أنصار اليمين المتطرف الذين يريدون غسل عار مؤسسي "الجبهة الوطنية" جون ماري لوبان ومنظمة "أو أ أس"، وإنما كقناعة لديه، رغم أن هناك إجماعا لدى المؤرخين الفرنسيين أنفسهم، على غرار بنيامين ستورا أوليفييه لو كور غرانميزون وجيل مانسيرون بأن ما فعلته فرنسا فاق جرائم النازية.
لم يكن الصحفي ميشال آباتي مبالغا ولا مخطئا، عندما قال بأن النازية تعلمت من ممارسات الفرنسيين في غزو الجزائر لأن ما فعلته فرنسا في الجزائر كان "مجزرة"، وفي وقت يعتذر الرئيس الألماني عما فعله النازية في إسبانيا، تواصل فرنسا الرسمية في نكرانها وعدم خجلها من عارها الدموي. وما يتجاهله ادوار فيليب عن عنصرية وجهل معا أن غزو فرنسا بلاده للجزائر، لم يكن جريمة بل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وكان له آثار مدمرة على الشعب الجزائري، حيث شهدت الجزائر بين عامي 1866 و1870، مجاعة شديدة نتيجة للسياسات الاستعمارية التي أدت إلى تدمير المحاصيل. ويُقدّر المؤرخون أن هذه المجاعة أدت إلى وفاة حوالي 500,000 جزائري، ما يعكس الأثر المدمر للاحتلال الفرنسي، إن لم تكن هذه لوحدها جريمة، فإن فيليب يحاول عبثا تبييض ماضيه دون جدوى. صحيح أن العصبة المتحكمة في صنع القرار بقصر الإليزي وماتينيون حاليا، استقوى فيها اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني والأوليغارشيا، لكنه وضع لخّصه الصحفي المخضرم جون ميشال آباتي، وما يدور في الساحة الداخلية الفرنسية، يدل أن "مستوى الغباء في فرنسا يتصاعد إلى درجة الغرق".

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال