بحديث وزير العدل، بوجمعة لطفي، عن جريمة اختطاف وقتل الطفلة بوغاشيش مروة، في ولاية قسنطينة، خلال مناقشة مشروع قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أمس الأحد، وتلويحه بأن "العقوبات في مثل هذه القضايا تصل إلى الإعدام"، عاد الحديث مجددا عن تنفيذ العقوبة، خاصة على قاتلي الأطفال.
ورغم تسجيل العديد من الجرائم الخطيرة في حق الطفولة، إلا أن الجزائر لم تنفذ عقوبة الإعدام منذ 1993. الأمر الذي عُدَّ "مكسبا حقوقيا" في نظر الحقوقيين، بحجة أن "الأجهزة القضائية ومعها الأمنية لا يمكنها إثبات الجرم على المجرم بشكل مطلق، ولا يمكن معه تفادي ظهور عناصر جديدة في الملف مستقبلا، تبرّئ الشخص المنفذ في حقه الإعدام".
ويختفي هذا المطلب ويظهر بقوة، كلما عاش الجزائريون جرائم أو وقائع بشعة ووحشية تطال البراءة، فيطالبون بالإجماع بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام. وظل تنفيذ عقوبة الإعدام معمولا به إلى حين تم إصدار مرسوم رئاسي يقضي بتجميدها سنة 1993، وفق القانونيين، ولهذا يستوجب العودة إلى تفعيلها إصدار مرسوم رئاسي آخر يلغي الأول، فيصبح تنفيذ الإعدام تلقائيا في كل القضايا التي تصدر فيها أحكام وقرارات بالإعدام دون استثناء.
وبالنسبة للالتزامات أو الاتفاقيات الدولية، أكد الحقوقي بوجمعة غشير، أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجزائر، ومن بينها العهدان الدوليان، الأول المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والثاني المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اللذان صادقت عليهما عام 1989، لا تلزم السلطات بإلغاء عقوبة الإعدام من قوانينها ولا تمنعها إطلاقا من الحكم بها أو تنفيذها.
وأوضح غشير، في اتصال مع ''الخبر''، أن النص الوحيد الذي يلزم أي دولة تصادق عليه بعدم الحكم بالإعدام وبالتالي عدم تنفيذه، هو البروتوكول الإضافي الثاني للعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الذي لم تصادق عليه الجزائر.
في حين أن الوثيقة الوحيدة التي صادقت عليها الجزائر في هذه المسألة، يضيف القانوني، هي توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 149/62 بتاريخ 2007، والتي تدعو الدول لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، والعمل تدريجيا على إلغائها، وتم دعمها بتوصية أخرى رقم 430/63، وهذه الوثائق، حسب المتحدث، ليست معاهدات أو اتفاقيات ملزمة، وإنما مجرد التزام معنوي وأخلاقي، كانت الجزائر البلد العربي الوحيد الذي صوّت عليه، وقتها.
وفيما يتعلق بالوضعية التي ترتبت عن تجميد عقوبة الإعدام منذ عام 1993، قال المحامي إن المحكوم عليهم بالإعدام يعيشون أوضاعا خاصة في ما يسمى برواق الموت، حيث يبقون طوال الوقت تحت الضوء في عزلة تامة وفي ظروف قاسية، وبالتالي هم يموتون تدريجيا، حسبه، لأنه لم ينفذ فيهم حكم الإعدام، ولم يتم تخفيف عقوبتهم إلى السجن المؤبد مثلا للانخراط مع باقي المساجين، وهو ما يعتبر مساسا بحقوق الإنسان، مستدركا أن حل هذا الوضع، يحتاج للفصل في مصير السجين المحكوم عليه بالإعدام، فإما أن تنفذ فيه العقوبة، أو يتم إدماجه مع بقية السجناء.
وتتباين الآراء حول تفعيل عقوبة الإعدام، فهناك من يراها كجزاء مستحق لمرتكبي جرائم اختطاف وقتل القصّر، ومن يرى ذلك إجراء يخفف عن الفاعل ويقيه من المدة الطويلة المحتملة التي سيقضيها في غياهب السجن، لكن الفصل في "مشروعيتها" لا يزال محل نقاش قانوني وحقوقي.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال