الوطن

مساهمة: لماذا العلاقة مع روما وواشنطن مثمرة ومع باريس متعثرة؟

يقفز إلى الأذهان الخلاف المتفجر مع فرنسا الآن بسبب وزير يميني متطرف يقود وزارة الداخلية الفرنسية.

  • 3449
  • 3:03 دقيقة
مراسم التوقيع على عدة اتفاقيات على هامش الزيارة الأخيرة للرئيس تبون إلى إيطاليا، الصورة: رئاسة الجمهورية.
مراسم التوقيع على عدة اتفاقيات على هامش الزيارة الأخيرة للرئيس تبون إلى إيطاليا، الصورة: رئاسة الجمهورية.

نشر ضيف الجزائر، مسعد بولس، مستشار ترمب للشؤون العربية والإفريقية، فيديو يشيد بالزيارة. نعرف تماما أن الفيديو يدخل في سياق التواصل الدبلوماسي الرقمي، لكن لو لم تنجح الزيارة لما تم نشر الفيديو أصلا.

أود في هذا المجال التركيز على أمرين حسب فهمي: الجزائر منفتحة على الرئيس ترمب والجزائر ليس لديها مشكلة مع تيار أقصى اليمين المحافظ.

لنبدأ بالفكرة الأولى، نعرف جميعا أن الرئيس ترمب شخصية نرجسية يفعل ما يقول سواء كان القرار صحيحا أو خاطئا، فقد فاز بشفافية في الانتخابات الأميركية تخوله اتخاذ القرارات.

في حالة الجزائر تحتفظ بلادنا بعلاقات تاريخية ومميزة مع أميركا تعود إلى ثلاثة قرون تقريبا، فلماذا نفسدها الآن؟ لكن ماذا يريد ترمب من الجزائر؟ ترمب يريد أمورا كثيرة. يريد جائزة نوبل للسلام ويريد من الجزائر أن تحل الخلاف مع المغرب بالقدر الذي يساعده على حل مشكلة الصحراء الغربية، وبالتالي إضافة نقاط في ملف سعيه للظفر بجائزة نوبل للسلام. ترمب يحاول إطفاء حرب أوكرانيا ووقف حرب غزة ووقف فتنة السودان والخلاف بين الكوريتين وووو. هل يستطيع ترمب وقف هذه الحروب؟ الأمر يخصه هو. بالنسبة للجزائر، ربما تكون حصلت على وجهة نظر الرئيس ترمب في ولايته الثانية لكيفية حل الخلاف التقليدي بين الجزائر والمغرب، وسنعرف ذلك في قابل الأيام أو الشهور.

يريد ترمب من الجزائر عقودا طاقوية، فالرئيس الأميركي الحالي يعادي تماما الطاقة النظيفة والطاقة الكهربائية، وهو سيبقى في البيت الأبيض 4 سنوات أو أقل بقليل. قرأنا ونعلم أن شركة إكسون موبيل وشفرون الأميركيتين مهتمتين بالعودة إلى السوق الجزائرية. وهاتان الشركتان ذراع قوي جدا في مؤسسات القرار الأميركي. يريد ترمب إذن مشاريع في البترول والغاز الطبيعي والغاز الصخري. هنا، يمكن الإشارة إلى قانون المناجم الجديد المعدل. ويمكن الفهم بوضوح أن هذا التعديل القانوني يتماشى مع الوضع الجيو- سياسي العالمي، ومساعي ترمب الدؤوبة للحصول على صفقات المعادن الثمينة سواء مع أوكرانيا أو الصين أو إندونيسيا. هنا وجب التدقيق في مضمون هذه العقود مع أميركا في الحالة الجزائرية، لأن الأمر يتعلق بمصالح الجزائر وأجيال الجزائر وليس بطموح الرئيس الأميركي.

لنناقش الفكرة الثانية في زيارة مستشار ترمب إلى الجزائر. الرسالة تقول بوضوح: الجزائر ليس لديها مشكلة في التعامل مع تيار المحافظين المتشددين، أي تيار أقصى اليمين طالما فاز هذا التيار في انتخابات دولة ما ويتحدث باسم تلك الدولة ولا يؤذي الجزائر ومصالحها.

يقفز إلى الأذهان الخلاف المتفجر مع فرنسا الآن بسبب وزير يميني متطرف يقود وزارة الداخلية وليس كل الدولة الفرنسية. بهدوء نفصل في هذه النقطة. جورجيا ميلوني هي رئيسة وزراء إيطاليا وقد وصلت إلى السلطة من خلال خطابها اليميني المتطرف وحكومتها تعد الحكومة الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية. لكن لماذا العلاقة بين روما والجزائر في أفضل مستوياتها؟ الجواب: لأن روما تحافظ على مصالح شعبها ولا تؤذي الجزائر؟

لماذا أوفد الرئيس ترمب الذي يمثل أقصى اليمين الأميركي مستشاره الأبرز لزيارة الجزائر؟ الجواب: لأن ترمب يريد مصلحة أميركا أولا ومتى وجد مصلحة معنا سيدافع عنها؟

لماذا إذن هناك من يريد التسويق لفكرة أن الخلاف بين الجزائر وفرنسا هو خلاف مع تيار أقصى اليمين وليس مع وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الطامح لخلافة ماكرون في قصر الإليزيه؟ الجواب: العلاقة مع فرنسا متشعبة ومختلفة بالطبع عن العلاقة مع دول أخرى ولكن واضح تماما أن وزير الداخلية يريد استخدام مهاجمة المهاجرين الجزائريين والدولة الجزائرية وقودا لحملته الانتخابية المسبقة لسنة 2028، لكن هل تنتبه الدولة الفرنسية إلى أن مصالحها تتعرض للضرر كلما استمر مثل هذا الوزير أو غيره في التصرف باسم الدولة الفرنسية ضد مصالح الدولة الفرنسية وشعبها؟ الجواب في باريس طبعا.

نعود إلى زيارة مستشار ترمب إلى الجزائر لنشير إشارة أخيرة: لدينا نحو أربع سنوات يقود خلالها ترمب العالم وليس فقط أميركا، وعلينا ألا نعطيه الفرصة أو المبرر لمهاجمة الجزائر أو إضعافها. أما بالنسبة لفرنسا، فربما يجب الانتظار حتى التعديل الحكومي المقبل، أو الانتخابات المقبلة، مع الوضع في الحسبان أن الرئيس ترمب لا يحب ماكرون وأيضا لا يثق في بوتين، فهل تنجح الجزائر في ضبط بوصلتها جيدا تجاه واشنطن وباريس وموسكو؟ ذلك ما نأمل.