شدد مختصون في المحاسبة والمالية على الدور الرقابي المحوري لمحافظي الحسابات في مكافحة الفساد، من خلال مراقبة العمليات المالية واكتشاف التلاعب والتحويل غير المشروع، وذلك خلال ندوة عقدت، اليوم الإثنين، في المدرسة العليا للمحاسبة والمالية بقسنطينة، مؤكدين أن الإصلاحات التي "تنتظرها" مهنة المحاسبة في الجزائر تشكل فرصة لرفع كفاءة المهنيين، وإخراج الجزائر من القائمة الرمادية لـ"غافي"، وهي هيئة دولية مسؤولة عن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
أعرب المشاركون في الندوة المنعقدة بمناسبة اليوم العالمي للمحاسبة تحت عنوان: "إصلاحات مهنة المحاسبة في الجزائر: بين النظرية والتطبيق"، والتي جاءت بالتعاون مع الغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات، عن أسفهم لتأكيد وجود الجزائر في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي "غافي"، في 20 أكتوبر الماضي، ودعوا إلى تسليط الضوء على الأهمية المتزايدة لدور المهنيين الماليين في حماية الاقتصاد الوطني، في انتظار نتائج الجلسات الوطنية لدراسة مشروع قانون المحاسبة المزمع عقدها، نهاية الشهر الجاري، في فندق الأوراسي بالعاصمة.
ونبه المتدخلون لأهمية الإصلاحات المنتظرة والتحديات الميدانية، مؤكدين على ضرورة تضافر الجهود للارتقاء بالمهنة بما يخدم الصالح العام ويحمي الاقتصاد من الممارسات غير القانونية، وضرورة تطوير المهنة وتكييفها مع المتطلبات الدولية والمحلية.
وقد قدم السيد بدالة سعيد، الأمين العام للغرفة الوطنية للمحاسبين المعتمدين، عرضا مفصلا عن تاريخ المهنة منذ الاستقلال، مشددا على دورها التنظيمي.
وذكر أن المهنة تشهد حالة من الجمود التشريعي والقلق بسبب تأخر إصدار قانون جديد، مؤكدا أن المعايير المستخدمة الصادرة عام 2007 "استنادا إلى المعايير الدولية لسنة 2004"، لم يتم تحيينها أو تعديلها، وأن القانون الحالي 10-01 لا يزال على حاله، منذ 15 سنة، ولا يواكب التطورات الدولية أو طموحات المهنيين، مضيفا أنه وبالرغم من تنصيب لجان وزارية متعاقبة من قِبل وزارة المالية في سنوات 2014، و2018، و2023 لإعادة صياغة القانون، إلا أنها لم تقدم أي عمل فعلي يذكر.
وقد أثارت حالة "التقاعس" هذه، كما قال، موجة غضب بين المحاسبين والمدققين، الذين يرون أن القانون الحالي مليء بالأخطاء والتناقضات ولا يوفر البيئة المناسبة للممارسة الحرة.
وشدد السيد محمد يحياوي، رئيس الغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات، على الدور المحوري لمهن الثقة في مواجهة تحديات الرقمنة، والامتثال، والتهرب الضريبي، والاقتصاد الموازي، وأكد أن المحاسب هو "حارس الثقة المالية" والمدقق هو "ضامن المصداقية"، وأن المهنة تساهم مباشرة في مكافحة الغش وتحسين مناخ الأعمال.
وربط يحياوي بين ضعف المهنة وتصنيف الجزائر في القائمة الرمادية لـ"الغافي"، مرجعا ذلك إلى هيمنة التعاملات بالعملة العينية وغياب التحول الكافي نحو العملة الإلكترونية، داعيا إلى إصلاح مهني شامل يهدف إلى معالجة تشتت الهياكل المهنية وغياب التنسيق، وذلك من خلال، إعادة هيكلة الإطار القانوني للمهنة، تعزيز الاستقلالية المهنية بفصلها عن الوصاية الإدارية، توحيد المهن المحاسبية في هيئة وطنية مستقلة واحدة، إنشاء مصف وطني مستقل لإدارة لجان القبول، والتكوين، والجودة، والانضباط، تحسين جودة الأداء ومعالجة غياب رقابة الجودة منذ تأسيس المهنة، وسد الفجوة بين التكوين الأكاديمي والممارسة العملية.
وهو ما تناوله السيد عبودي محمد، الأمين العام للغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات، التطورات النظرية الحديثة، مركزا على الدور البالغ الأهمية لمحافظي الحسابات في تعزيز النزاهة المالية والحد من الفساد.
كما أبرز السيد سواليمية الطاهر، محافظ حسابات ومحاسب معتمد، الأهمية الرقابية لمحافظي الحسابات في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد المالي. وفي سياق التوافق العالمي، قدم الأستاذ حمزة بوتيغان، أستاذ بجامعة قسنطينة 2، محافظ حسابات ومحاسب معتمد، عرضا أكد فيه على شرعية التغيير، مشددا على أن التزام محافظي الحسابات في الجزائر بمعايير التدقيق الجزائرية ودمج المعايير الدولية خطوة حاسمة لتعزيز جودة المعلومة المالية، وتسهيل التعاون مع السلطات المختصة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي التوافق مع توصيات مجموعة العمل المالي "غافي".
وفي إطار الجهود الرامية لتجفيف منابع التمويل غير المشروع، طالب المشاركون في الندوة ضرورة تعميق التنسيق بين الهيئات الأكاديمية والمهنية والحكومية لدعم الإصلاحات المستمرة وحماية الاقتصاد الوطني من الأنشطة غير المشروعة، مع الالتزام التام بمعايير النزاهة والشفافية.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال