الوطن

حكومة جديدة بلا أحزاب

الفريق الوزاري مطالب بتحقيق نتائج في الميدان.

  • 3892
  • 2:14 دقيقة
الوزير الأول، سيفي غريب، الصورة: حمزة كالي "الخبر"
الوزير الأول، سيفي غريب، الصورة: حمزة كالي "الخبر"

اعتمد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في التشكيلة الحكومية الجديدة، على "كفاءات مستقلة غير متحزبة"، لقيادة وتسيير مختلف القطاعات والدوائر الوزارية، وبالتالي الرهان على الكفاءة التقنية في إدارة الملفات المعقدة للمرحلة المقبلة، التي تحمل في طياتها العديد من التحديات.

ويظهر جليا من خلال مجموعة الوزراء المختارين لتسيير القطاعات الوزارية أن الرئيس تبون بحث عن الكفاءة القادرة على ترجمة البرامج المسطّرة في الآجال المحددة، بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية. وبذلك، وقع الاختيار غالبًا على إطارات تدرجوا في المسؤوليات والمناصب، ما أكسبهم خبرة وقدرة على التحكم في قطاع معين، تسمح لهم بمتابعة حيثيات قد تغيب عن غيرهم ممن لم يحتكوا بواقع الميدان.

ومن أمثلة ذلك، ترقية مراد عجّال تدريجيا في تسيير فروع مجمع سونلغاز، ليكون من المنطقي تعيينه وزيرا للطاقة، قصد تنفيذ جملة من الأهداف التي رسمتها الحكومة مسبقا، خاصة ما تعلق برهان التحوّل الطاقوي وتطوير الطاقات المتجددة، على رأسها إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر واستعمال الغاز كطاقة انتقالية بامتياز.

وينطبق الأمر أيضا على الوزير الجديد للصحة، البروفيسور محمد صديق آيت مسعودان، باعتباره من أبناء القطاع، وكذلك وزيرة التجارة الداخلية وضبط السوق، آمال عبد اللطيف، التي شغلت مناصب مهمة آخرها المديرة العامة للضرائب.
وبناء على ذلك، يختلف الأمر مقارنة بسنوات مضت، حين وُزّعت الحقائب الوزارية على قيادات حزبية، وهو ما يعكس توجها مغايرا عن تجارب حكومية سابقة كانت تضم وجوها بارزة تمثل مختلف الأحزاب.

هذا القرار يعكس من جهة رغبة رئيس الجمهورية في تعزيز فكرة أن المرحلة المقبلة تتطلب إدارة تقنية تعتمد على خبرة الاختصاصيين، والتدقيق في "السيرة الذاتية" من أجل وضع الرجل المناسب في المنصب المناسب، وقدرته على منح الإضافة للقطاع. كما ينسجم هذا النهج مع توجهات الرئيس منذ بداية ولايته، الرامية إلى تقديم صورة "دولة المؤسسات" التي تتجاوز منطق المحاصصة، خصوصا إذا كان على حساب الكفاءة.

في المقابل، يضع هذا التغيير الحكومة أمام "اختبار النتائج"، إذ لم يعد هناك مجال لتبرير التعثر بالحسابات الحزبية أو التوازنات السياسية. فالمعيار الوحيد سيكون مدى قدرة الوزراء على تجسيد البرنامج الرئاسي وتحقيق إصلاحات ملموسة، خاصة في الملفات الاقتصادية والاجتماعية الحساسة، وهو الرهان الذي تراهن "الدولة" على تحقيقه في الآجال المنظورة.

أما غياب الكفاءات الحزبية عن الحكومة، فيطرح تساؤلات حول مستقبل دور الأحزاب في المساهمة في إدارة البلاد من بوابة الجهاز التنفيذي، بصرف النظر عن مشاركتها على مستوى العمل التشريعي كنواب في البرلمان. فالمشاركة في الحكومة منحتها في السابق وزنا وتأثيرا مباشرا على القرار التنفيذي، واليوم باتت قدرتها على "إخراج" الكفاءات الحقيقية ووضعها على المحك.

وحسب المراقبين، فإن هذا الوضع قد يدفع الأحزاب إلى إعادة تموقعها، إما عبر تعزيز دورها الرقابي والبرلماني، أو عبر الاقتراب أكثر من الشارع لتعويض الغياب عن الجهاز التنفيذي. غير أن استمرار غيابها عن الحكومة قد يُضعفها أكثر، خاصة أنها تعاني أصلا من أزمة ثقة وتمثيل. وفي المقابل، قد يفتح هذا الوضع المجال أمام بروز "قوى سياسية جديدة" أو حركات مدنية تطرح نفسها كبديل في المشهد الوطني.