38serv

+ -

حينما يربط النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم بين حسن الإسلام ومجالات الاهتمام في قوله: ”مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ” ندرك خطورة ما نَعنَى له ونهتم له على ديننا وعلى دنيانا، أي على واقعنا ومستقبلنا ومسارنا ومصيرنا؛ لأنّ الإنسان من طبعه أن يرتّب أولوياته بحسب اهتماماته، وأن يصرف طاقاته ويسخّر إمكاناته بحسب اهتماماته، وأن يشغل أوقاته بنوع الأعمال والأشغال الّتي تتوافق واهتماماته. فإن كانت اهتماماته سخيفة أو معصية فمعنى هذا أنّ أولوياته قد تكون سخيفة أو معصية، وأنّه قد يسخر كلّ إمكاناته ويبذل كلّ طاقاته في السّخافة أو في المعصية، وأنّه قد يقضي كلّ وقته -وربّما كلّ حياته– في سخافة أو معصية!. أليس هذا هو الخسران المبين.إنّ المسلم الواعي الحريص على دينه، والحريص على إحسان إسلامه، والحريص على التّدين الصّحيح، تجده حريصًا على طاعة ربّه وعلى مرضاته، يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ الله يُحبّ معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها” رواه الطبراني وغيره؛ ولهذا فالأصل في المسلم أن يكون مهتمًا بمعالي الأمور وأشرافها، غير آبه لسخيف الأمور وسفسافها، هذا هو الأصل، لكنّ للأسف أنّ واقع كثيرين منّا غير ذلك، حيث نجد كثيرين أغرقوا أنفسهم وأغرقوا أهاليهم معهم في سفاسف الأمور وسخيف القضايا، فصارت حياتهم بلا معنى، وصارت اهتماماتهم بلا قيمة، وصاروا في وضع محزن مبكي.إنّ الأمر جلل، وإنّ الأمر خطير، في هذا الزّمن الّذي صارت البشرية تعيش فيه تيْهًا وضياعًا إلّا قليلًا قليلًا، وصار المتلاعبون بالعقول والقلوب والأذواق أكثر سطوة وأقدر عدّة، واستغلوا التّطور التكنولوجيّ عامة والإعلاميّ بالخصوص أسوأ استغلال؛ فملأوا حياة النّاس بالفراغ، ورفعوا الأراذل والأنذال على رؤوس الخلق، وزيّنوا لهم سفاسف الأمور، وشغلوهم بسخيف الشّؤون عن المعالي والأمور الغوالي، وإلّا ماذا ينفع النّاس في هذه الأخبار الّتي يروّجونها ويتناقلونها، ويدفعون النّاس دفعًا للاهتمام بها؟!، ماذا ينفع النّاس إذا علموا وماذا يضرّهم إذا جهلوا أنّ فريقًا للعب انهزم أو انتصر؟!، أو لاعبًا انتقل أو استقرّ؟!، أو فنان أو فنانة افتضح أو استتر؟!، أو غير ذلك من أخبار السّفاسف والسّخافات من أخبار الأفلام والسينما، وأخبار الرياضة واللّهو، وأخبار الموضة وملكات الجمال، بل أخبار كلاب وقطط المشاهير؟!. نعم هذا هو الحضيض الّذي وصلوا إليه ويريدون من أبنائنا وبناتنا أن يعيشوا فيه، ويغرقوا في حمأته النّتنة.أحسب أنّه من المهم على كلّ واحد منّا وخاصة الشّباب والشّابات أن يراجع اهتماماته، وينظر ما الّذي يعنيه؟، وما الّذي يهتم له؟، وما الّذي يهتم به في حياته؟. بل على كلّ واحد منّا أن يفتّش نفسه: هل حقًّا ما يهتم به هو ما يحبّ ويريد أن يهتم به؟ أو هو مهتم بما يُراد له أن يهتم به؟، هل هو ضحية دعايات كاذبة خادعة؟، وهل مساره اختاره هو لنفسه أم اختير له؟، ثمّ لم يستطع مغالبة التّيار فغرق مع الغارقين؟. وقد روى ابن حبان في صحيحه حديثًا في سنده مقال، وفي متنه حكمة، يؤكّد هذه المعاني السّابقة أختم به هذه الكلمة المقتضبة في هذا الموضوع الواسع الكبير، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”كان في صحف إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسّلام: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أنْ تكونَ له ساعات: ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه، وساعةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسه، وساعةٌ يتفكَّرُ فيها في صُنع الله، وساعةٌ يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل أنْ لا يكون ظاعنًا إلّا لثلاث: تزوُّدٍ لمعاد، أو مَرَمَّةٍ لمعاشٍ، أو لذَّةٍ في غير محرَّم، وعلى العاقل أنْ يكونَ بصيرًا بزمانه، مقبلًا على شأنه، حافظًا للسانه، ومَنْ حَسَب كلامَه من عمله قلَّ كلامُه إلّا فيما يعنيه”.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات