+ -

 الزّكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره، والزّكاة في دلالتها اللّغوية طُهرة ونَماء، وهذه هي حقيقتها، وفي الاصطلاح هي استقطاعٌ مالي جبري من أموال المكلّفين، يعاد توزيعه على مستحقين معيّنين وصفًا. وهي فريضة على كلّ مسلم، ذكر وأنثى، مالك للنِّصاب، دون النّظر إلى جنسه أو عمره أو لونه أو نسبه أو طبقته أو وضعه الاجتماعي، فالنّاس جميعهم سواء أمام هذه الفريضة.

تكمن أهميّة الزّكاة في محاربة الفقر وتحقيق التنمية في البلدان الإسلامية الّتي يقبع 37% من سكانها تحت خطّ الفقر، وما شُرعَت إلّا لخير المجتمع وتقدّمه وتأمينه ضدّ العوارض والأزمات الّتي تعصف به أحيانًا وتحصينه ضدّ كلّ ما يعيق رُقيّه وازدهاره ورفده بكلّ أسباب تشجيع الإنتاج وتحقيق التّكافل ومحاربة البطالة. فهي تأمين اجتماعي للأفراد جميعًا وضمان اجتماعي للعاجزين، ووقاية للجماعة كلّها من التفكّك والانحلال.وقد أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن أن يأخذ صدقة من فضول أموال الأغنياء ويردّها إلى الفقراء. فإخراج الزّكاة هو الّذي يخرج الفقير من حدّ الكفاف، حيث لا يملك القدرة الشّرائية، وحيث يكون الحدّ الاستهلاكي عنده صفرًا، وحيث تكون الحاجة عنده إلى ضروريات العيش كبيرة جدًّا، إلى حدّ الكفاية، حيث تتوفّر لديه القدرة الشّرائية ويستطيع أن يساهم في الدورة الاقتصادية، إذ إنّه يصبح مستهلِكًا يحسب له حساب في الطلب الفعّال وهو الطّلب الّذي تسنده قوّة شرائية.وليس القصد من الزّكاة هو سدّ حاجات الفقراء وإشباعها لبعض الوقت فقط، ولكن القصد منها هو إخراجهم من الفقر على الدّوام، وذلك بتمليكهم الوسائل الّتي تحميهم من التّردي في الفقر مرّة أخرى وتنقلهم من الكفاف إلى الكفاية. وليست الكفاية إشباع حاجات الفقير الضرورية فقط بل تتجاوز ذلك إلى توفير الكماليات.ويقوم المجتمع المسلم على مبدأ التّكافل الاجتماعي بين أفراده وتعاونهم فيما بينهم في السّرّاء والضّرّاء، وإنّ أركان الإسلام تؤكّد هذا وتقرّره، وأنا على يقين لو أنّ الأغنياء من المسلمين الّذين تجب في حقّهم الزّكاة أخرجوا زكاة أموالهم لمَا بقي فقير مسلم على وجه الأرض، كما كان عليه الحال في عهد الخليفة الرّاشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وقد عزَّ في زمنه وجود مَن يقبَل الزّكاة، يقول عمر بن أسيد: ”والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتّى جعل الرّجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كلّه قد أغنى عمر النّاس”.وقد تميّز عصر الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه بالعدل والرّخاء الاقتصادي، حتّى إنّ بيت مال المسلمين لم يجد مَن يستحق أموال الزّكاة ليدفعها له بعد تزويج الشّباب وتسديد الديون عن الفقراء.والزّكاة تُعزّز وحدة المجتمع الإسلامي وتتجاوز الجغرافية السياسية لبلدانه، إذ الأصل في الزّكاة المحلية أن توزّع على فقراء البلد الّذي تجبى منه، لكن ذلك لا يمنع جواز نقلها إلى حيث تمسّ الحاجة إليها، وفي ذلك إشعار للمسلمين بوحدة أمّتهم وبوحدة ذمّتهم أيضًا.كما أنّها تُعمِّق فهم المسلم لوظيفة المال في المجتمع بتوكيدها للوظيفة الاجتماعية لحقّ الملكية، تأسيسًا على نظرية الاستخلاف الإسلامية؛ فالمال مال الله والنّاس مستخلفون فيه، وهذا الفهم يساعد المسلم على تقبّل أحكام الإسلام الأخرى المتعلّقة بالمال انتفاعًا واكتسابًا واستثمارًا وتداولًا.وبالإضافة إلى دورها في التّكافل الاجتماعي، فإنّ للزّكاة وظائف اقتصادية واجتماعية أخرى، منها تأمين الإنتاج وزيادته. فقد جعل الإسلام الغارمين أحد مصارف الزّكاة، قال تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ}، ومن جملة الغارمين مَن اقترض مالًا للإنتاج والاستثمار، ومَن اشترى سلعًا بأجل ولم يستطع الوفاء بالدَّيْن.وإنّ من أهمّ ما يلزم القيام به لتفعيل الزّكاة واستظهار آثارها، القيام بعملية توعية وتثقيف علمية واعية ومستمرّة، تشترك فيها المؤسسات التّربوية والتّعليمية والدّعوية والإعلامية، تستهدف تجديد التزام النّاس بالنّظام الزّكوي بأبعاده العقدية والقيمية.وإنّ الدولة يمكنها أن تجعل الزّكاة فريضة مالية تكون إلزامية مائة بالمائة، وأن تكتفي بالزّكاة وتسدّ العجز في حال وجوده بالضّرائب، كما يوصي بذلك بعض الباحثين الاقتصاديين.وندعو إلى ضرورة توفير منظومة محكمة لجمع وصرف الزّكاة، إمّا تكون حكومية أو مؤسسات مدنية تطوعية خاصة، على أن تُدار بشفافية، وأن تُحفَظ الأموال في البنوك والمصارف الإسلامية، وتستثمر في مشروعات تملك للفقراء والمساكين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات