فضائل الشّهامة والنّجدة وإغاثة الملهوف في الإسلام

38serv

+ -

 تشهد بلادنا هذه الأيّام موجات كبيرة من الحرائق أتت على مساحات كبيرة من الغابات، شرّدت الكثير من النّاس، ولقي عدد لا بأس به من المواطنين حتفهم جرّاء ذلك.في هذه الأزمة الكبيرة، وكعادته، وقف الشعب الجزائري جنبًا إلى جنب في مكافحة الحرائق الّتي انتشرت في مختلف مناطق الوطن. ومنذ اللّحظة الأولى الّتي شهدت اندلاع الحرائق في الغابات الّتي “تؤكد المؤشرات الأولية طابعها الإجرامي”، هَبّ المدنيون صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، لمساعدة فرق الإطفاء الّتي تعمل في مكافحة الحرائق من على الأرض.في تقرير لـ«ناشيونال جيوغرافيك” بعنوان “الفوائد البيئية للحرائق”، أُشير إلى أنّ حرائق الغابات هي قوى مدمّرة يمكن أن تحدث بشكل طبيعي (مثل البرق)، أو من خلال حوادث من صنع الإنسان (مثل السجائر وحرائق المخيمات)، أو حتّى أعمال الحرق المتعمّد.لقد هبّ المواطنون من كلّ حدب وصوب لإغاثة سكان المناطق الّتي أحاطت بها ألسنة النيران، في هبّة تضامنية أضحت سمة لصيقة بالجزائريين، يتضاعف حجمها وتتصاعد وتيرتها كلّما برزت أزمة أو محنة. انطلقت القوافل الإنسانية “العاجلة” من مختلف ولايات الوطن متجهة نحو المناطق المتضررة، محملة بالأطنان من الإغاثات.. كما تعالت الأصوات الّتي تطالب بإعادة إحياء الغابات المحترقة في أسرع وقت، عن طريق أعمال التشجير والبذر.لقد جاء الإسلام بتوجيهات إنسانية رفيعة تؤكّد حرص الإسلام على توثيق العلاقة بين كلّ أفراد المجتمع وكفالة الغني للفقير، ومساعدة القادر للمحتاج، والقوي للضعيف، وهدف الإسلام من وراء ذلك توثيق العلاقة بين كلّ أفراد المجتمع الإسلامي لكي يتحقّق الهدف الأسمى وهو خلق مجتمع متعاون متضامن متكامل يحمي كلّ فرد فيه حقوق الآخرين، وهذه أسمى صور التضامن والوحدة.يحرص الإسلام على بناء مجتمعٍ قويٍّ قادرٍ على مواجهة التحدِّيات والأزمات المختلفة، مجتمع حضاري راقٍ، يرحم القويّ فيه الضعيف، ويعطف الغنيّ على الفقير، ويُعطي القادر ذا الحاجة، كما يحرص على بناء مجتمعٍ أخلاقيٍّ متقارب ومتحابّ ومتعاون على الخير وفعل المعروف؛ ومن ثَمّ جاء بمنهجٍ رائع في بناء المجتمع البشريّ كلّه، وجعل كلّ فرد فيه متعاونًا مع غيره على الخير العام، مُغِيثًا له حال الحاجة والاضطرار.إنّ قيمة التّكافل بين النّاس، وخُلُق إغاثة الملهوف من الأمور الّتي لا يقوم المجتمع المسلم إلّا بها، إنّها قيمٌ إنسانية اجتماعية راقية، وقد سبق الإسلام في تطبيقها على أرض الواقع سبقًا بعيدًا، فكانت النّماذج الرائعة في الصّدر الأوّل من الإسلام خير مُعَبِّرٍ عن هذا الخُلُق الكريم.فمن أجلِّ وأجملِ نعوت المجتمع المسلم أن يتمتّع أفراده بالمروءة والشّهامة وإغاثة الملهوف، تلك السجايا الّتي تطرز النّفوس بالخيرات وتُحوِّلُ الحياة إلى طعوم طيّبة، وتعزّز معاني الوئام بين القلوب، وهي صفات لا يتعلّمها المسلم في مدرسة أو جامعة؛ بل هي تراكمات إنسانية ناتجة عن الفطرة النقية السوية.وإنّ من أعلى درجات الهمّة، الهمّة في خدمة المجتمع، وإعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وقضاء حوائج المحتاجين، والنّجدة والشّهامة، فعن سيّدنا أبي ذر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “ليس من نفس ابن آدم إلّا عليها صدقة في كلّ يوم طلعت فيه الشّمس”، قيل: يا رسول الله ومن أين لنا صدقة نتصدّق بها؟ فقال: “إنّ أبواب الخير لكثيرة: التّسبيح، والتّحميد، والتّكبير، والتّهليل، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدلّ المستدل على حاجته، وتسعى بشدّة ساقيك مع اللّهفان المستغيث، وتحمل بشدّة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كلّه صدقة منك على نفسك”.وقبل أن يأمر الإسلام المسلمين بالتّكافل وإغاثة الملهوفين، وضع لهم الأساس الفكريَّ لقيمة التّكافل، فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو القدوة والمثل في كلّ أمر، وفي أمر إغاثة الملهوفين، ونجدة المكروبين، وهذا لشدَّة إغاثته صلّى الله عليه وسلّم للنّاس، وخوفه عليهم، وحفظه لهم، ثمّ هو يُعلِّم المسلمين أن يكونوا كذلك.وكان صلّى الله عليه وسلّم يحثّ على التّكافل، ويمدح من يقوم بذلك؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الأشعريين إذا أَرْمَلُوا في الغَزوِ أو قَلّ طعامُ عِيَالِهم بالمدينة، جَمَعُوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثمّ اقْتَسَمُوه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي وأنا منهم”.كما يُرْوَى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.وقد بوّبَ البخاري بابًا في الأدب المفرد سمَّاه: “باب ما يجب من عون الملهوف”، أورد فيه عن أبي ذرّ: سُئِل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيُّ الأعمال خير؟ قال: “إيمان بِالله، وجهاد في سبيله”، قال: فأيُّ الرقاب أفضل؟ قال: “أعلاها ثَمنًا وأنفسها عند أهلها”، قال: أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل؟ قال: “تُعِين ضايعًا أو تصنع لأَخْرَقَ”، قال: أفرأيت إن ضعفت؟ قال: “تَدَعُ النّاس من الشّرّ؛ فإنّها صدقة تَصَدَّقُ بها على نفسك”. ففي قوله صلّى الله عليه وسلّم: “تُعِين ضَايِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ” إرشاد إلى إغاثة مَن لا يستطيع قضاء حاجاته، وهذا هو جوهر إغاثة الملهوف. وقريب منه ما رُوِيَ عن سعيد بن أبي بردة عن أبِيهِ عن جدّه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “على كلّ مسلم صدقة”، فقالوا: يا نبيّ الله، فمن لم يجد؟ قال: “يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق”، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: “يُعِين ذا الحاجة الملهوف”، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: “فليعمل بالمعروف، وليُمسِك عنِ الشّرّ فإنّها له صدقة”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات