+ -

 الصحة العامة هي علم وفن الوقاية من المرض، وإطالة العمر، وتعزيز الصحة والكفاءة النفسية والبدنية من خلال جهود ينظِّمها المجتمع لإصحاح البيئة، ومكافحة الأمراض السارية، وتثقيف الفرد حول حفظ صحته الشخصية، وتنظيم خدمات طبية وتمريضية للتشخيص المبكِّر للمرض ومعالجته معالجة وقائية، وإيجاد آلية اجتماعية لضمان تمتُّع كل فرد بمستوى معيشي يكفي لصون صحته، وتنظيم هذه الفوائد لتمكين كل مواطن من إعمال حقه الطبيعي في التمتُّع بالصحة وطول العمر. وتشمل الصحة بمعناها الواسع كلّ معاني الاستواء والتّوازن، وهي في معناها الشامل تستوعب حياة الإنسان بكاملها: جسمًا وعقلًا وروحًا، وخلقًا وسلوكًا، فطرة واكتسابًا.اهتمّ الإسلام بصحّة الإنسان أيَّما اهتمام، تلكم النّعمة العظيمة الّتي وهبها الله للإنسان، فاعتنى بها، وذكّر الإنسان بأهميتها وعظيم شأنها، يقول صلّى الله عليه وسلّم: ”نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من النّاس: الصحّةُ والفراغَ”، والغبنُ: أنّهم لم يستغلوا تلك الصحة فيما ينفع العبد.ولقد اعتنى ديننا الإسلامي بأمر الصحة بعامة، وأرشدنا الله تعالى ورسوله عليه الصّلاة والسّلام إلى جملة من الآداب الّتي ارتقى بعضها إلى عبادات واجبة؛ ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا صحيًّا آمنًا بنسبة كبيرة من الأمراض والأوبئة، وتقليص فرص ظهورها قدر الإمكان، ممّا ينعكس بشكل إيجابي على كفاءة أفراد المجتمع وطاقته الإنتاجية وقوّته وفتوَّته.وقد أمر الإسلام المسلمين بالطّهارة الّتي تشمل وضوءًا يوميًّا أكثر من مرّة في الغالب، واغتسالًا عند الجنابة والطّهارة من الحيض والنّفاس، وحثَّ عليه في الجُمَعِ والأعياد والاحتفالات، وكذلك على السّواك لنظافة الفم والأسنان من البقايا الضارَّة بصحة الإنسان، وأرشدنا إلى سنن الفطرة من قصّ الأظفار وإزالة شعر الإبط والعانة.وكانت فكرة النّظافة مهمّة في التصوّر الإسلامي للمجتمع الذي يتديّن به، بل عَدّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم النّظافة من شعب الإيمان؛ فقال: ”الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ”. ونهى عن تلويث المياه الّتي يستعملها النّاس، فقال: ”لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ” رواه البخاري، بالإضافة لتحريم المأكولات والمشروبات الضارَّة بالإنسان، وكلّ هذا من أجل الحفاظ على الصحة العامة لأفراد المجتمع وتقليل الأمراض فيه، وقد كان ذلك من الأغراض الّتي تغَيَّاها الدّين الإسلامي، وكان من دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم: ”اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي”.واعتنى الدّين الإسلامي بصحة الإنسان واعتبرها جزءا من العناية بقوّة الشّخص المسلم سواء كان مادية أو أدبية، فالدّين الإسلامي قد حرص على صحة المسلم، والجسم السليم أثاره تنعكس على الفرد والمجتمع بشكل عام، لذا فقد حارب الدّين الإسلامي الكثير من الأمراض، ووضع الكثير من الأساليب بهدف التخلّص والوقاية من التعرّض إلى تلك الأمراض، كما وضع الكثير من القواعد منها ما يخصّ الحجر الصحي والّذي يُتّبَع اليوم عند تعرّض منطقة ما إلى مرض معيّن ويمنعه الخروج أو الدخول منها.لذا أمرنا ديننا الإسلامي بالوقاية من عدوى الأمراض المعدية الفتاكة، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا سمعتُم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها”.ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الإنسان حثُّه على تنظيف الأماكن، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ الله نظيف يُحبّ النّظافة، طيّبٌ يُحبّ الطّيب، جوادٌ يُحبّ الجود، كريمٌ يُحبّ الكرم، فنظِّفوا أفنيتَكُم ولا تشبّهوا باليهود”.ومن مظاهرها أنّه حرّم عليه الإسراف في المأكول والمشروب لما في السّرف من تهديد للصحة، وإضرار بالإنسان في المستقبل، وكم لقمة منعت لقمات؟ فقال الله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، ويقول صلّى الله عليه وسلّم: ”ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرَّا مِنْ بَطْنٍ، بحسب ابنِ آدم لُقَيْمَاتٌ يُقمنا صُلبه، فإن كان لا بدّ: فثُلُثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفَسه”.ومن مظاهر اهتمام الإنسان بصحّته أنّه منعه من مقاربة الأمراض المُعدية بطبعها في الغالب، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”فر من المجذوم فرارك من الأسد”، وقال: ”لا يُورَدن ممرضٌ على مُصِحٍّ”.ومن عناية الإسلام بصحة الإنسان أنّه رغّبَه بالتّداوي والعلاج، وحثّه على ذلك، يقول صلّى الله عليه وسلّم: ”ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له دواء عَلِمَه مَن علمه، وجَهِلَه مَن جهله”، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”تداووا عباد الله ولا تداووا بالحرام”، فالعلاج مطلوبٌ ومشروعٌ لمَا فيه من المحافظة على الصحة والسلامة.وبناء على هذه التوجيهات، نقول بوجوب التطعيم من وباء كورونا لمَا فيه من مصلحة حفظ النّفس وحفظ المجتمع الّتي أمرنا بها ديننا الإسلامي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات