+ -

تكثر في هذا الشّهر الفضيل، كلّ عام، الأسئلة والاستفسارات حول عدّة قضايا ومسائل تتعلّق بهذا الشّهر الفضيل، يتلبّس بها المكلّف، ويأخذ في تلمّس الإجابة من هنا وهناك. وأردتُ بهذا المقال أن نغطّي مساحة معيّنة، في جزئية معيّنة تتعلّق بالأسباب والأعذار المبيحة للإفطار.وأردناها أن تكون على مذهب السّادة المالكية، وهذا التزامًا بالمرجعية، وجريًا مع المألوف في هذه الأقطار، حتّى لا ندخل المكلّف في متاهات الاختلافات الفقهية، الّتي لا تفيد المستفتي في شيء سوى التّشنّج وضيق العطن، وربّما التّطاول على الأئمة الأعلام، وإثارة فوضى الإفتاء بين العوام.يمكن حصر الأسباب المبيحة للفطر في ستة صور:الصّورة الأولى: بسبب السّفر، الموجب للقصر في غير معصية. وفيها حالتان: الأولى: حالة عدم القدرة، فهذا يباح له الفطر، مع وجوب القضاء فقط. لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة:183-184. والثانية: القدرة على الصّيام من غير مشقّة، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:184.الصورة الثانية: بسبب المرض؛ وفيه حالتان: الأولى: المرض المزمن الّذي لا يُرجَى بُرؤه. فهذا يُباح له الفطر، مع استحباب الفدية إن كان قادرًا وإلّا سقطت عنه. والثانية: إذا كان مرضًا عارضًا غير دائم ولا ملازم له، ويرجى شفاؤه، بإذن الله. فهذا يُباح له الفطر، مع القضاء لاحقًا، فإن عجز انتقل إلى الفدية استحبابًا.الصورة الثالثة: بسبب كبر السن، وفيه حالتان: الأولى: كبر السن مع عدم القدرة على الصّيام، فهذا يُباح له الفطر، مع القضاء إن قدر في وقت لاحق، وإلّا انتقل إلى الفدية استحبابًا إن قدر عليها، وإلّا سقطت عنه. والثانية: كبر السن، مع غياب العقل. وهذا مناط التّكليف قد زال عنه، ولهذا قال العلماء: إذا أخذ الله ما أوهب أسقط ما أوجب، وعليه لا يخاطب لا بصوم ولا بقضاء ولا بفدية.الصورة الرّابعة: وهي بسبب الحمل ثمّ الرّضاعة، وفيها حالتان: الأولى: المرأة الحامل. وهي تختلف من قدرة امرأة إلى أخرى، فإذا خشيت على نفسها أو على جنينها من الهلاك، أبيح لها الفطر لهذا المقصد، وهذا إمّا بقرار من طبيب مختصّ، وإمّا بما تجده من نفسها من إجهاد. وعليها القضاء بعد رمضان ولا فدية عليها. والثانية: وهي المرأة المرضعة، وهذه الحالة تبيح لها الفطر بناء مناط الإرضاع الّذي يترتّب عليه، إمّا حاجة الرّضيع إلى حليب أمّه، أو في حالة إجهاد الأم بسبب الإرضاع. ووجب في حقّها القضاء والفدية. أمّا إذا وجدت له مرضعة سواء البديلة، أو الحليب الاصطناعي، انتفى العذر المبيح.الصورة الخامسة: بسبب الحيض أو النّفاس. وفيه حالتان: الأولى: في حالة حيضها المعتاد، ما لم يتحوّل إلى استحاضة، فعليها القضاء فقط. والثانية: النّفاس حتّى لو ولد جافًا. فكلّما كان الدم لم يتوقف ما لم تتجاوز ستون يومًا، فهي معذورة ثمّ تقضي. أمّا إذا ولدت الجنين جافًا من غير دم، يُباح لها الفطر فقط إن كان نهارًا، أمّا إذا كانت الولادة ليلًا، فإنّها تمسك في الصّباح إلّا إذا خشيت بسبب الإرضاع.الصورة السّادسة: بسبب الجوع والعطش، المُفضيان إلى الهلاك، فإنّه فقيه نفسه، فإن وجد من نفسه عدم القدرة على الاستمرار في الصّوم، أبيح له الأكل والشّرب بقدر دفع جوعته وعطشه، واختلفوا في إمساكه بقيّة يومه من عدمه. فمناط الأكل والشّرب، بحسب الحاجة، خروجًا من خلاف.الفديةالفدية في مشهور المذهب لا تجب إلّا على اثنين: أوّلًا: المرضع، لإمكان تفاديها سبب الفطر باستئجار مرضعة أو بحليب اصطناعي. ثانيًا: المتهاون في القضاء من غير عذر حتّى دخل عليه رمضان آخر.قيمة الفديةقيمتها 750غ من السميد. ومَن أراد أن يوسّع غداء وعشاء وهو أفضل عندي لمَن كان ميسور الحال، أن يتجاوز هذه القيمة من باب الإحسان. ومن كان فقيرًا سقطت عنه.أستاذ الشّريعة والقانون بجامعة وهران

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات