الفتوى قبل وقوع الفعل غير الفتوى بعد وقوعه!

+ -

 لقد تعجّبتُ هذه الأيّام في بعض الفتاوى، الّتي يقطع أصحابها في المسائل الخلافية، وإن كان هناك راجح ومرجوح فيها، ويَكفيك أنّ السّلف اختلفوا فيها.ولكن أن يصل الأمر إلى إبطال صيام البعض!!! وإلى إبطال الزّكاة لمَن أخرجها نقدًا!!! أو إبطال مَن أخرجها قبل يوم أو يومين!!! بل ومن باب أولى من أخرجها من بداية الشّهر أو في أوسطه!!! ويقولون للمكلّف بعد وقوع الفعل، بكلّ بساطة: باطل!!!بل يتّهمون أئمة كبار في قصور نظرهم وضيق مدركهم، من أقران الإمام أبي حنيفة والإمام الشّافعي، ويقولون: ومن أين له تقدّمها ليوم أو يومين أو أكثر؟فنقول أنّ مطاق التّقديم هو إذن بالمشروعية، لأنّه اجتهاد من السّلف. وهل الإمام الشّافعي وما إدراك ما الإمام الشّافعي، كان يلعب بالدّين لمّا جعلها من أوّل يوم؟ وهل الإمام أبو حنيفة كان يلعب لمّا جوّزها حتّى قبل رمضان...؟إنّ المسألة فيها مستندات اعتبارية، وفق مقاصد سُنّية وحِكم مَرعيّة في شريعتنا الرّبّانية، قد يغفل عنها كثير من أهل الفضل والنّظر.الفتوى أمانة”حكى يعقوب بن سفيان بإسناده عن ربيعة قال: قال ابن خلدة القاضي وكان يقسم: إذا جاءك الرّجل يسألك فلا يكن همّك أن تخرجه ممّا وقع فيه، وليكن همّك أن تتخلّص ممّا سألك عنه”وقت إخراج زكاة الفطر!!!لقد أوقعوا النّاس في حرج رغم أنّ في المسألة سَعة، ولكن أقول وبالله التّوفيق:أوّلًا، الأصل اخرج زكاة الفطر، قبل صلاة العيد، وقيل يوم أو يومين، قبل صلاة العيد، وهي السُّنّة.ثانيًا، لا يجوز إخراج زكاة الفطر قبل رمضان خلافًا للسّادة الأحناف، ولا بعده عند الجمهور، فهي صدقة مطلقة، وليست زكاة.ثالثًا، مَن أخرجها من بداية رمضان، أو في أثنائه، لمصلحة راجحة، وحاجة مُلحّة، فقد أجزأته على الصّحيح من مذهب الشّافعية والحنفية. ومنها التّوسعة على الخلق.رابعًا، وإن كان ميسورًا الحال فعليه إعادة إخراجها على مذهب المالكية، من باب الاحتياط وسدّ الذّرائع، وحتّى لا تنطمس رسوم الشّريعة.الخلاصةأرى أنّ مَن أخرج زكاته في شهر رمضان من غير اليومين الأخيرين، فإنّي أمل في الله تعالى القبول وأن تُجزئه. وهذا رعيًا للخلاف، وعدم إرهاق المكلّف ماديًا، خاصة في ظلّ غلاء المعيشة وضعف المدخول. ومَن فتح الله عليه في الرّزق، فعليه إعادتها زيادة في الخير، واحتياطًا للدّين. كما أنّه يجوز إخراج زكاتك من المال الّذي زُكّيَ عليك به، بحكم صفة الفقير أو المسكين في حقّك.عبرة وخبرةقال أشهب رحمه الله: “كنّا نسمع الكلمة من مالك -رحمه الله- فنخرج عنه جميعًا ثمّ نتكلّم عليها، فكلّ واحد منّا يقول إنّما أراد معنى كذا، خلاف ما يقوله صاحبه، فيفرق على ذلك فإذا هي صارت روايتين أو ثلاثًا وأكثر من ذلك”. (نقله السرقسطي رحمه الله في ‘التّسمية والحكايات’ ص109).أستاذ الشّريعة والقانون بجامعة وهران

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات