أجمع مختصون في الشأن التربوي، على أن نتائج الفصل الأول كانت مقبولة عموما، بفضل الاستقرار البيداغوجي المسجل داخل المؤسسات التربوية وتحسن وتيرة التعلمات نتيجة اعتماد مقاربات أكثر تدرجا وواقعية في معالجة البرامج والمناهج، فيما لا يزال مشكل الاكتظاظ يمثل حجر عثرة في طريق الإصلاحات التي يشهدها قطاع التربية والتعليم، حيث كانت النتائج في المدارس التي تعمل بنظام الدوامين أقل من متوسطة في كثير من الأحيان.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس النقابة المستقلة لأساتذة الابتدائي، محمد حميدات، في تصريح لـ "الخبر"، بأن نتائج الفصل الأول كانت جيدة، خاصة في مادة الرياضيات، حيث سجل تحسن ملحوظ في الطور الأول، وأيضا الثاني، على خلفية تطبيق الإصلاحات، ما سمح بإعطاء أريحية للأستاذ وفسحة أكبر لتقديم الدروس بعيدا عن الضغط.
وقال الأستاذ حميدات، في سياق ذي صلة، بأن المدارس التي تعمل بنظام الدوام الواحد سجلت أحسن النتائج، حيث أن عدد التلاميذ المتمدرسين فيها قليل مقارنة بتلك التي تعمل بنظام الدوامين، ليعرّج في هذا الإطار على مشكل الاكتظاظ الذي اعتبره حجر عثرة في طريق الإصلاحات الكبيرة والهامة التي يشهدها القطاع.
وطالب محدثنا بضرورة إيجاد حل جذري ونهائي لهذا المشكل، حيث تحول إلى عائق حقيقي في طريق تجويد العملية التربوية، رغم المجهودات التي يبذلها الأستاذ لإيصال المعلومة اللازمة لتلاميذه، إذ يصطدم، حسبه، بأقسام مكتظة بالتلاميذ، تجعله يدور في حلقة مغلقة دون أن يحقق الهدف المرجو من العملية التعليمية التعلمية داخل القسم.
النتائج إيجابية عموما في الأطوار التعليمية الثلاثة...
من جهته، أوضح المهتم بالشأن التربوي يوسف رمضاني، في حديث مع "الخبر"، بأن نتائج الفصل الأول من السنة الدراسية الحالية كانت "إيجابية" بصفة عامة، باعتبارها امتدادا عمليا للإصلاحات التي أدرجت خلال السنة الماضية والسنوات التي سبقتها.
وقال محدثنا إنه تم تسجيل قدر أكبر من الاستقرار البيداغوجي داخل المؤسسات التربوية، وتحسن ملحوظ في وتيرة التعلمات، نتيجة اعتماد مقاربات أكثر تدرجا وواقعية في معالجة البرامج والمناهج، وقد انعكس هذا الاستقرار، حسبه، بشكل مباشر على التلميذ والأستاذ معا وساهم في خلق مناخ تربوي أكثر هدوءا وتنظيما، يساعد على التركيز والمتابعة وتحقيق الأهداف التعليمية المسطرة.
أما بخصوص أهم الإصلاحات، التي ساهمت في تحقيق أريحية التلميذ وتعزيز جودة التعليم، فقد تجسدت أساسا في مرحلة التعليم الابتدائي، يضيف محدثنا، باعتبارها المرحلة الأساسية في بناء شخصية المتعلم وتكوين النشء.
ومن أبرز هذه الإصلاحات، يقول الأستاذ رمضاني، مواصلة الاعتماد على الملاحظات الوصفية بدل الامتحانات في السنة الأولى ابتدائي، واعتماد نفس المقاربة التربوية في السنة الثالثة ابتدائي في مادتي اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكذا في مادة اللغة الأمازيغية في السنة الرابعة ابتدائي.كما تقرر عدم إجراء الاختبارات في الفصول الثلاثة في مواد الإيقاظ على مستوى جميع سنوات التعليم الابتدائي والمتمثلة في التربية البدنية والرياضية والتربية الفنية (الرسم) والتربية الموسيقية، وهو ما خفف، حسبه، الضغط النفسي على التلميذ وسمح له بالتعبير عن قدراته الإبداعية والحركية بشكل طبيعي، إضافة إلى ذلك، شملت الإصلاحات مراجعة الحجم الساعي لبعض المواد، سواء بالتخفيض أو الرفع، بما يحقق توازنا أفضل بين التعلمات.
وفي مرحلة التعليم المتوسط، قال رمضاني إنه تم اعتماد موازنة في الحجم الساعي بين الإنجليزية والفرنسية في السنة الأولى متوسط، بينما شهدت مرحلة التعليم الثانوي تخفيض الحجم الساعي لمادة اللغة الفرنسية في السنة الأولى جذع مشترك آداب، في إطار تكييف البرامج مع حاجيات التلاميذ وقدراتهم الاستيعابية.
أما بخصوص نتائج التلاميذ في الفصل الأول، يقول محدثنا، ومن خلال المعلومات المستقاة من مختلف الولايات وفي مختلف المراحل التعليمية الثلاث، فقد تبين أن النتائج المسجلة كانت إيجابية في مجملها، رغم أن الفصل الأول يعد أطول فصول السنة الدراسية.
وميزت هذه النتائج الإيجابية أغلب السنوات الدراسية ومعظم المواد، سواء الأدبية أو العلمية، مع تسجيل تحسن ملحوظ في المواد التي كانت تعد عائقا لدى عدد معتبر من التلاميذ، على غرار مادة الرياضيات واللغة الفرنسية، حيث فاقت نسبة المتحصلين على المعدل فيهما تقديريا 40 بالمائة.
كما سجل تطور إيجابي في نتائج مادة اللغة الإنجليزية، خاصة في السنتين الرابعة والخامسة ابتدائي، وكذا في السنة الأولى متوسط، وذلك نتيجة الإصلاحات التي مست هذه السنة، من خلال منهاج جديد وتعلمات حديثة جاءت امتدادا للإصلاحات السابقة.
وتعد هذه النتائج، حسب رمضاني، مؤشرا عاما مهما على مستوى التحصيل الدراسي، غير أنها لا تعكس دائما وبشكل مطلق القدرات الحقيقية للتلميذ، فالتقييم التربوي السليم، يضيف، يستوجب قراءة تحليلية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مجهود التلميذ وتطوره التدريجي خلال الفصل، ومدى تجاوبه مع التعلمات، إضافة إلى العوامل النفسية والاجتماعية المحيطة به.
ومن هذا المنطلق، يقول، فإن تعامل الأولياء مع كشوف النقاط ينبغي أن يكون تعاملا إيجابيا داعما ومحفزا، يهدف إلى تشخيص مواطن القوة وتعزيزها، ورصد مواطن التعثر ومعالجتها، بعيدا عن منطق العقاب أو المقارنة، مع استثمار النتائج كأداة لتحسين الأداء في الفصول الدراسية المقبلة.
وشدد في هذا السياق على أهمية استغلال العطلة الشتوية "استغلالا تربويا متوازنا"، من خلال تمكين التلاميذ، خاصة الذين عرفوا بعض التعثر خلال الفصل الأول، من إعداد برنامج مراجعة مرن، يجمع بين الراحة النفسية والمراجعة المنتظمة دون إفراط أو ضغط، فالعطلة، حسبه، تعد فرصة لإعادة شحن الطاقات وترسيخ المكتسبات ومعالجة النقائص بهدوء، بما يسمح بتحقيق نتائج أفضل في الفصل الثاني.
وبصفة عامة، فإن نجاح الإصلاحات التربوية يبقى رهين تضافر جهود المدرسة والأسرة، وتكريس ثقافة الثقة والمتابعة الإيجابية، خدمة لمصلحة التلميذ وجودة المنظومة التربوية ككل، يؤكد محدثنا.
صعوبات العربية لا تزال تشكل هاجسا في الابتدائي
أما المستشار التربوي، كمال نواري، فقال بأن أغلب الأولياء استلموا كشوف النقاط في اليوم المفتوح، واجتمعوا بكل الأساتذة، ليس فقط للإطلاع على نتائج أبنائهم المتمدرسين، بل للحصول على كل المعلومات والملاحظات التي يقدمها الأساتذة، في إطار تقييم شامل لسلوك وانضباط التلاميذ، فعند عقد مجالس الأقسام، يضيف، ومن خلال التقويم البيداغوجي طيلة الفصل، يكتشف الأستاذ نواحي الضعف والقوة لدى التلاميذ، ومهمة جميع أطراف الأسرة التربوية هي تصحيح مسارهم من خلال التشخيص المبكر والعلاج خلال الفصلين الثاني والثالث.
وتعتبر هذه المحطة، حسب نواري، مهمة للأستاذ لتصحيح مسار تلاميذه، وهي أيضا امتحان يقيم فيه أداءه وفاعليته في التدريس ومدى قدرته على رفع مستوى التلميذ.
وفيما يخص تقييمه لنتائج الفصل الأول، لاحظ الأساتذة بعض الصعوبات عند تلاميذ الابتدائي، منها صعوبة إدراك حروف العربية رغم قدرتهم على إدراك الحروف اللاتينية، إضافة إلى مشاكل في التركيز ونسيان المعلومات بسرعة.
كما برزت في نفس الطور صعوبة في القراءة والكتابة. وفي هذا الإطار، ومن تخصصه كمستشار تربوي، دعا كمال نواري إلى معالجة هذه الاختلالات مبكرا، في إطار دروس الدعم، سواء في البيت أو من خلال الاستعانة بأساتذة آخرين، على أن لا يكونوا من الأساتذة الذين يدرسونهم داخل القسم، فالمرافقة المبكرة والدعم الصحيح، يقول، يعتبران الطريق الصحيح لضمان تدارك الأخطاء المسجلة في الفصل الأول وتجنب تكرارها، ما يمهد لتفوق دراسي ونفسي طيلة المشوار الدراسي.
أما في مرحلة التعليم المتوسط، سجل الأساتذة، يضيف نواري، نتائج دون المتوسط في مادة الرياضيات، فيما أكدوا أن النتائج بصفة عامة في هذه المرحلة، وأيضا الطور الثانوي "مقبولة" عموما وتختلف من مؤسسة لأخرى.
وقال ذات المتحدث، إنه وبغض النظر عن طبيعة النتائج المسجلة، فإن وزارة التربية الوطنية أمرت بفتح المؤسسات التربوية لتلاميذ أقسام الامتحانات "البيام" و"الباك" لتقديم دروس الدعم خلال الأسبوع الأول من عطلة الشتاء.
ودعا، في سياق ذي صلة، الأولياء إلى الابتعاد عن القلق والضغط النفسي بسبب نتائج أبنائهم المتمدرسين، لأن فرص تصحيحها قائمة خلال الفصلين الثاني والثالث، بتمكينهم من دروس دعم بيداغوجي عند أساتذة آخرين وإعادة تنظيم المراجعة في البيت، بتوفير الجو المناسب كالإطعام الجيد والراحة والنوم المبكر، وأيضا مراقبة استعمال الهاتف.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال