رياضة

القانون "الحقيقي" والقانون "الوهمي"

قضية مباراة شبيبة تيارت وصفاء الخميس في رابطة الهواة.

  • 1882
  • 7:05 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

ارتقت قضية مباراة شبيبة تيارت أمام صفاء الخميس السابقة في رابطة الهواة إلى درجة الفضيحة بامتياز، بعدما أقدم الإتحاد الجزائري لكرة القدم على "تبني" فرض لجنة تأديب رابطة كرة القدم للهواة إجراءات تأديبية في حق لاعبين بموجب قانون غير موجود أصلا.

وبالعودة إلى حيثيات القضية التي أثارت جدلا واسعا بسبب الشكوك التي حامت حول إمكانية ترتيب نتيجة تلك المباراة التي انتهت بفوز صفاء الخميس خارج قواعده أمام شبيبة تيارت بنتيجة 2-5، نقف عند الإجراءات العقابية "المتسرعة"، ليس في حق الناديين والمسيرين فحسب، إنما أيضا في حق لاعبين اثنين على وجه الخصوص، واحدا من شبيبة تيارت وآخر من صفاء الخميس، و"التهمة"، حسب قرار لجنة تأديب رابطة الهواة، حمل صدام حسين بالح وفارس بن عبد الرحمان شارة القيادة، على الرغم من أن قانون رابطة الهواة لكرة القدم، وتحديدا البند 02 من المادة 127 منه، في الشق المتعلق بـ"المباريات المُرتَّبة"، لا يُقرّ بفرض أية عقوبة على قائد أي فريق حتى في حال ثبوت ترتيب نتيجة المباراة، إلا إذا تبيّن بالدليل والحجة بأن قائد الفريق أو قائدَي الفريقين متورطين فعلا في عملية ترتيب نتيجة المباراة، بما يجعلهما "مذنبين".

والصادم في القضية، التي كانت محل طعن من القائدين فارس بن عبد الرحمان وحسين بالح، أن لجنة الاستئناف التابعة للإتحاد الجزائري لكرة القدم لم تكلّف نفسها عناء إسقاط "قرار العار" للجنة انضباط رابطة كرة القدم للهواة، بل اختارت "تزكيته" والإبقاء عليه، على الرغم من عدم استناده على أي مادة قانونية واضحة وصريحة، ليجد قائد شبيبة تيارت حسين بالح وقائد صفاء الخميس فارس بن عبد الرحمان نفسيهما معاقبَين بالإيقاف لسنتين في قضية مشبوهة أثرت بشكل مباشر على سمعة كل واحد منهما دون وجه حق.

ومن الغريب أن تقف لجنة استئناف "الفاف" موقف المتفرج وأن تمسك العصا من الوسط من خلال الإبقاء على عقوبات لجنة انضباط رابطة كرة القدم للهواة على الرغم من إعلان اللجنة ذاتها عن تقديمها شكوى للعدالة، وهو إجراء يفرض "قسرا" تجميد كل الإجراءات العقابية في حق الجميع إلى حين فصل العدالة في القضية، طالما أن المبدأ هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وليس المتهم مُدان حتى تثبت براءته.

ومن خانته الذاكرة التي يحرص البعض على إسقاط ما تحتفظ به من فضيحة بالتقادم، وجب تذكيره بمخرجات لجنة انضباط رابطة الهواة التي ذكرت، بصريح العبارة، وهي تدين القائدين وبعض اللاعبين الآخرين والمسيرين والفريقين، دون أي دليل واضح يثبت ترتيب نتيجة المباراة أو يؤكد تورط القائدين في "مزاعم" ما حدث، كون لجنة الانضباط أعلنت وقتها بأن قرارها "بنته" على "ما شوهد من لقطات" وعلى أيضا "طريقة تسجيل بعض الأهداف"، فضلا على ما "مخرجات اجتماع المكتب الفدرالي".

قرار لجنة الانضباط المثير للجدل

وقد ورد في قرار لجنة الانضباط في "القضية الإدارية رقم 25 .. مقابلة شبيبة تيارت ــ صفاء الخميس ليوم : 27 / 04 / 2025 (أكابر ـت الجولة 28)"، ما يلي :

ــ بناء على النقل المباشر للمقابلة عبر المنصة الرقمية فيفا +.

ــ بناء على الصور المسيئة لكرة القدم الجزائرية وخاصة في طريقة تسجيل بعض أهداف المباراة.

ــ بناء على استدعاء كل من رئيسي الفريقين، قائدا الفريقين وحارس شبيبة تيارت بومنقوش عبد العزيز إجازة رقم (J0146) لجلسة الانضباط ليوم 30 / 04 / 2025.

ــ بناء على تكييف المكتب الفدرالي ليوم 30 أفريل 2025 للمادة 127 الفقرة 02 بكيفية تتجاوب وشبهة التلاعب بنتيجة المقابلة.

ــ بناء على مخرجات المكتب الفدرالي بتاريخ 30 أفريل 2025.

تقرر لجنة الانضباط للرابطة الوطنية لكرة القدم للهواة ما يلي:

ــ معاقبة الحارس بومنقوش عبد العزيز إجازة رقم (J0146) بسنتين (02) إقصاء نافذة ابتداء من تاريخ : 04 ماي 2025 وغرامة مالية قدرها 50 ألف دج.

ــ معاقبة رئيس شبيبة تيارت سماعيل مختار إجازة رقم (D0002) بسنتين (02) إقصاء نافذة من كل وظيفة رسمية ابتداء من تاريخ : 04 ماي 2025 وغرامة مالية قدرها 50 ألف دج.

ــ معاقبة قائد فريق شبيبة تيارت بالح صدام حسين إجازة (رقم J0700) بسنتين (02) إقصاء نافذة ابتداء من تاريخ : 04 ماي 2025 وغرامة مالية قدرها 50 ألف دج.

ــ معاقبة رئيس صفاء الخميس مقلاتي رشيد إجازة رقم ( D0199) بسنتين (02) إقصاء نافذة من كل وظيفة رسمية ابتداء من تاريخ : 04 ماي 2025 وغرامة مالية قدرها 50 ألف دج.

ــ معاقبة رئيس فرع كرة القدم فار محمد بسنتين (02) إقصاء نافذة من كل وظيفة رسمية دون الضم مع العقوبة السابقة.

ــ معاقبة قائد صفاء الخميس بن عبد الرحمان فارس إجازة رقم (J1450) بسنتين (02) إقصاء نافذة ابتداء من تاريخ : 04 ماي 2025 وغرامة مالية قدرها 50 ألف دج.

ــ خصم ثلاث (03) نقاط من رصيد فريق شبيبة تيارت.

ــ اعتبار كلا من الفريقين منهزما على البساط في المقابلة.

ــ إيداع شكوى أمام الجهات القضائية المختصة.

ومن خلال "الزج" بالاتحادية في قرار تأديبي غامض وغير مفهوم أصلا، فإن هيئة الرئيس وليد صادي لم تجد أي حرج في "تبني" الفضيحة المُدوية، والسبب أن المكتب الفدرالي لم يكن له أصلا أية مخرجات لها علاقة مباشرة بتغيير مادة من قانون بطولة الهواة، ثم إن المكتب الفدرالي اجتمع ثلاثة أيام بعد المباراة محل الجدل، ما يجعل مستحيلا، بأي حال من الأحوال، تطبيق أي قرار تأديبي بأثر رجعي.

القانون في واد والعقوبة في واد آخر

وما أخفته لجنة انضباط رابطة الهواة وقتها، وهي ترتكز في قرارها على ما أسمته بـ"مخرجات المكتب الفدرالي"، هو حيثيات "المخرجات"، وتركت، من خلال ضبابية القرار، الاعتقاد يسود أن المكتب الفدرالي قام فعلا بتعديل المادة 127 الفقرة 02، في حين أن بيان اجتماع المكتب الفدرالي لم يُشر إطلاقا إلى مناقشة أو اعتماد أي تعديل لتلك المادة، بل إن لجنة انضباط رابطة الهواة "لم تُخبرنا" بما ورد في المادة من تغييرات، ولم يتم أصلا نشر التعديل ولا حتى إشعار الأندية بذلك، ولم يجد الرأي العام تفسيرا لإصرار القائمين على شؤون الكرة في الجزائر التفكير أصلا في تعديل مادة قانونية دون سواها والبطولة لم تُدرك وقتها محطتها النهائية، ليتم، في نهاية الأمر، معاقبة الجميع بقانون غير موجود من أساسه وبأثر رجعي .. فضيحة غير مسبوقة.

ووجب التذكير أيضا بفحوى المادة 127 الفقرة 02 من قانون بطولة كرة القدم للهواة، الساري المفعول لحد الآن ومنذ عدة مواسم، التي لا يرِد فيها أي إيقاف في حق قائد الفريق حتى إذا تبيّن بأن نتيجة المباراة كانت مرتبة، إلا إذا ثبُت بأن قائد الفريق متورط في ذلك بالدليل والحجة وليس بناء على مجرد "تخمينات" و"قراءات" تحتمل الخطأ مثلما تحتمل الصواب، حيث ورد في المادة "الحقيقية" ما يلي :

كل ترتيب للمباراة يتم معاقبته كالتالي :

ــ إقصاء الفريقين المذنبين إلى نهاية الموسم.

ــ المنع مدى الحياة من ممارسة أي نشاط له علاقة بكرة القدم للمذنبين.

ــ غرامة مالية قدرها 500 ألف دينار لأندية رابطة كرة القدم للهواة.

وبالارتكاز، في نهاية الأمر، على القانون "الحقيقي"، ثم إسقاط فحواه على ما ورد من عقوبات، نقتنع بأن لجنة انضباط رابطة الهواة انتزع وبامتياز لقب "الفضيحة"، كون القانون ينص، أولا، على إيقاف الفريقين إلى غاية نهاية الموسم، وهو ما لم يحدث أصلا (الفريقان أكملا الموسم)، وينص القانون، ثانيا، على معاقبة "المذنبين"، (بمعنى دون سواهم) بالإقصاء مدى الحياة من ممارسة أي نشاط له علاقة بكرة القدم، وليس بالإيقاف لسنتين مثلما جاء في قرار اللجنة، أما ثالثا، فإن القانون يحدد الغرامة المالية على الأندية المذنبة دون اللاعبين والمسيرين، وقيمتها 500 ألف دينار جزائري، فيما لم يرِد في القانون أي خصم لثلاث نقاط لأي فريق، ولم يرِد أيضا إعلان خسارة أي فريق ولا حتى الفريقين حتى وإن ثبُت ترتيبهما لنتيجة المباراة، بينما أقرت لجنة الانضباط خصم ثلاث نقاط من فريق واحد (شبيبة تيارت) دون الفريق الآخر (صفاء الخميس)، مع إعلان "خسارة" كل فريق للمباراة التي لم تنته أصلا بالتعادل حتى يتم توظيف عبارة "خسارة الفريقين للمباراة"، كون الصحيح أن "الخسارة"، في حال سلمنا جدلا بأن ذلك ينص عليه القانون، تقع على صفاء الخميس الفائز بتلك المباراة محل الجدل، ولم يكن لشبيبة تيارت "ما يخسره" كإجراء عقابي، طالما أنه خسر المباراة من أساسه فوق الميدان.

قضية مباراة شبيبة تيارت وصفاء الخميس ستبقى وصمة عار في تاريخ الكرة الجزائرية، في حال ثبوت فعلا ترتيب نتيجتها، إنما "العار" سيلاحق "الهيئة القانونية لرابطة كرة القدم للهواة ولجنة الاستئناف على مستوى "الفاف" بسبب اتخاذ قرار تأديبي، وبأثر رجعي، على الناديين واللاعبين وقائدي الفريقين والمسيرين، بموجب قانون "وهمي" لا أثر له على الإطلاق.

إدانة تسبق حكم القضاء

ولم يكن لـ"هيئة قانونية"، مثل لجنة انضباط رابطة كرة القدم للهواة إضافة بند في قرارها التأديبي يقضي بلجوئها إلى القضاء، وذلك لسببين؛ الأول لكون البطولة ليست ملكا لها حتى تقرر مقاضاة المذنبين، إنما هي ملك للإتحاد الجزائري لكرة القدم وقد منح التفويض لرابطة كرة القدم للهواة لتسييرها؛ والسبب الثاني أن لجنة الانضباط ما هي سوى هيئة قانونية مطالبة فقط بإحقاق الحق وتطبيق القانون "الحقيقي" بعد تكييف الخطأ والارتكاز على الأدلة المادية بعيدا عن التخمينات والتقديرات والآراء والأهواء؛ فيما يأتي السبب الثالث لينتظر إجابة مقنعة من "الفاف" ورابطة الهواة والهيئات القانونية، بعد قرار الاحتكام للقضاء بعد "إدانة" المعنيين رياضيا بتهمة تتعلق بـ"شبهات" حول عدم احترام أخلاقيات اللعبة، كون العقوبة في حد ذاتها والتي تسبق قرار القضاء لا يحمل سوى قراءة واحدة دون سواها، وهي إصدار حُكم بالإدانة قبل حُكم القضاء السيّد.. وللرأي العام واسع النظر في كل هذا السرد.