اسلاميات

محل النية وشروطها

إن محل النية القلب، في كل موضع وفي جميع العبادات وباتفاق أئمة المسلمين

  • 328
  • 3:04 دقيقة
الدكتـور عـز الديـن بـن زغيبـة
الدكتـور عـز الديـن بـن زغيبـة

إن محل النية القلب، في كل موضع وفي جميع العبادات وباتفاق أئمة المسلمين، ولذلك فلو تكلم شخص بلسانه خلاف ما نواه في قلبه، كان الاعتبار لما نوى بقلبه لا بما تلفظ بلسانه، أما إذا تكلم بلسانه ولم تحصل تلك النية المتلفظ بها في قلبه، لم تجزئ ذلك باتفاق أئمة المسلمين. إلا أن هناك مسألة قد وقع فيها شيء من النزاع بين المتأخرين من أصحاب المذاهب، وهي: هل يستحب التلفظ بالنية مع وجودها في القلب أم لا؟
لقد ذهبت طائفة من أصحاب أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى استحباب ذلك لأنه أوكد وأتم تحقيقا للنية، وذهبت طائفة من أصحاب مالك وأحمد والأئمة الأربعة إلى عدم استحباب ذلك، بل ذهبوا إلى حد اعتباره بدعة مكروهة، وعللوا هذا الموقف بأنه لو كان هذا الأمر مستحبا لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولأمر به، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه كل ما يقربهم إلى الله، وخاصة الصلاة التي لا تأخذ صفاتها إلا منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ”صلوا كما رأيتموني أصلي”. فزيادة التلفظ بالنية في الصلاة وأمثالها بمنزلة سائر الزيادات المحدثة في العبادات، كمن زاد في العيدين الآذان والإقامة، قال ابن الهمام: ”لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية في حديث صحيح ولا في حديث ضعيف”، وزاد ابن أمير الحاج أنه لم ينقل عن الأئمة الأربعة، وقد اتفق السيوطي وابن نجيم على أنه لا يشترط التلفظ بالنية مع القلب.
تنبيه: إن هذا الخلاف الذي أثير حول التلفظ بالنية سرا، أما التلفظ بها جهرا فهذا مكروه وغير مشروع باتفاق المسلمين، وكذلك تكرارها فإنه أشد من ذلك.
وللنية شروط عديدة هي:
الشرط الأول: الإسلام ومن ثم لم تصح العبادات من الكافر، وقد اختلف في غسل ووضوء الكافر ومحل الخلاف في الأصل، أما المرتد فلا يصح منه غسل ولا وضوء ولا غيرهما، وقد خرج عن هذا صور: 1- الكتابية تحت المسلم يصح غسلها من الحيض ليحل وطؤها بلا خلاف للضرورة ويشترط نيتها. 2- وقد استثنى الشافعية الكفارة وقالوا بصحتها من الكافر ويشترط منه نيتها، معللين ذلك بأن المغلب فيها جانب الغرامات والنية فيها للتمييز لا للقربة، وهي عندهم بالديون أشبه، ثم قالوا: بناء على هذا التعليل، يعرف الفرق بين عدم وجوب إعادتها بعد الإسلام ووجوب إعادة الغسل بعده، وقد ذهب الأحناف إلى عدم صحة ذلك من الكافر. 3- كما استثنى الشافعية من هذا الشرط أن المرتد إذا أخرج الزكاة حال الردة تصح وتجزئه.
الشرط الثاني: التمييز، فلا تصح عبادة صبي بلا تمييز، وكذلك المجنون، ويستثنى من هذا المرأة المجنونة يغسلها زوجها من الحيض وينوي على الأصح.
الشرط الثالث: العلم بالمنوي، وعلى هذا يرى البغوي وغيره أن من جهل فريضة الوضوء أو الصلاة لم يصح منه فعلها، إلا أن الغزالي قال بصحة العبادة من الذي لا يميز بين الفرائض والسنن، شريطة أن لا يقصد التنفل بما هو فرض فإن قصده لم يعتد به، وإن غفل عن التفصيل فنية الجملة كافية.
الشرط الرابع: أن لا يأتي بمناف لفعله، فلو ارتد مثلا أثناء حجه أو صلاته أو وضوئه أو تيممه بطلت كلها، واعلم أن المناف الذي يدخل على الفعل أنواع: 1- دخول نية القطع على الفعل، فلو نوى إنسان مثلا قطع إيمانه والعياذ بالله صار مرتدا في الحال، بينما لو نوى قطع صلاته بعد قراءة منها لم تبطل بالإجماع. 2- عدم القدرة على المنوي، كالذي ينوي بوضوئه أداء صلاة معيّنة وعدم أدائها لم يصح منه ذلك لتناقضه في مقصوده ونيّته مع استحالة تحققهما عقلا، لأن الأمران المتناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وكذلك إذا نوى بوضوئه صلاة العيد وهو في أول السنة لاستحالة استمراره على الوضوء من أول السنة إلى عيد الفطر الذي هو أقرب العيدين. 3- التردد وعدم الجزم، ومثاله إذا تردد شخص بين قطع صلاته وعدم قطعها أو علق بطلانها على شيء ما بطلت بذلك، وكذلك لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين الحدث، أعاد على الصحيح لكونه توضأ مترددا وقد زالت الضرورة باليقين، وكذلك لو تيمم لفائتة الظهر فبانت بأن الفائتة عصرا لم تصح لتردده.