ذكرى المولد بين المنع والجواز

المولد النبوي محطة نورانية، وذكرى تاريخية، ومناسبة اجتماعية، تذكر فيها خصال أهل البرية، وتشريعاته المرعية، من أحكام شرعية، وسلوكات تربوية، ومشاهد نورانية، غدت معالم يرجع إليها كلما طال الزمان، واندرست الأحكام، وابتعد عن هدي خير العباد، لتكون هي الزاد قبل المعاد.

وعليه، تنوعت اهتمامات العلماء على مرّ الزمان، فهذا يكتب عن سيرته، وهذا عن مغازيه، وهذا عن خصائصه، وهذا عن شمائله، وهذا دلائل نبوته، وهذا عن حقوقه، وكلها مصنفات مبسوطة، تأصيلا وتفريعا. سأحاول في هذه النقاط التركيز على سد الفجوة بين مذهبين كلاهما يحاول إقصاء الآخر، فهذا يقول: أعطني دليلا من الكتاب والسنة وعمل السلف صريح في المنع؟ والآخر يعيد عليه بالقول بالموجب على لغة أصحاب القوادح أعطني دليلا واحدا من الكتاب والسنة وعمل سلف هذه الأمة على جواز فعله؟
وبين هذين المسلكين، سأحاول نصب بعض المعالم لعلها تكون عونا لنا في احتواء المسألة، ونخرج من دائرة الجحود أو التطرف، فأقول وبالله التوفيق:

من أبجديات التشريع
ترك التفريع زمن التشريع، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم، والسكوت في وجود المقتضى وانتفاء المانع يستلزم العفو، وعدم فعل الصحب الكرام، لا يستلزم المنع. وأن الاحتفال والاحتفاء في الأصل من جملة المباحات، وقد تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة. وكذلك حسن القصد، قد يشفع في الفعل. وأنه يجوز للعالم ما لا يجوز للعامي سدا للذريعة، وأن الترك خشية أن يفترض، والعلة تدور مع الحكم وجودا وعدما، وكل مسألة اتفق عليها السلف فهي من جملة الأصول ويحرم مخالفتها، وكل مسألة اختلف فيها السلف فهي من جملة الفروع ويسعنا ما وسعهم، فإنه لا إنكار في المختلف فيه.

ضوابط الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
قال الإمام السيوطي: وأما ما يعمل فيه، فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم به الشكر لله تعالى، من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة.
وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك، فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى”. اهـ من ”الحاوي للفتاوي للسيوطي” (ج1 ص229).
ويمكن رسم هذه الضوابط في النقاط التالية: عدم الإطراء الذي نهى عنه الصادق المصدوق. تحري الصحيح في ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم. إياك واختلاق القصص لتحبيب الناس في الحبيب صلى الله عليه وسلم. العبادة غير المنصوصة لا يُتقرّب بها لا لله تعالى ولا للرسول عليه الصلاة والسلام. اعتقاد استحباب وإباحة الاحتفال لا وجوبه.

محاذير في الاحتفال
الغناء والموسيقى المبالغ فيه. الاختلاط بين الجنسين من غير المحارم. المفرقعات وإذاية الناس. السهر وإزعاج الجيران ولو بالذِّكر. والمديح الذي يحمل الغلو والمبالغة.

ما يجوز في هذه الذكرى
الفرح بهذا اليوم وإظهار السرور. والتوسعة على العيال. إلى جانب إكرام الفقراء والمحتاجين لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك قراءة السيرة النبوية الصحيحة على عامة الناس وأهل بيتك. واجعلها محطة للمراجعة قربا وبعدا من سنته.
في الأخير، تبقى هذه كلمات على طريق التنوير، للخروج من دائرة التدوير، واجترار الكلام بنفس الألغام. ولنحسن الظن بأهل الإسلام، ونستحضر تلك القاعدة النورانية في استيعاب المخالف وحسن الظن به. وأنه ليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأدركه.

* عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين