الوطن

طغمة باماكو تمعن في البهتان والقطيعة

أطلقت اتهامات ضد الجزائر بـ "دعم الإرهاب الدولي".

  • 6067
  • 2:22 دقيقة
عبد الله مايغا، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الصورة: وكالات
عبد الله مايغا، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الصورة: وكالات

جدد رئيس وزراء الطغمة العسكرية الانتقالية في مالي، عبد الله مايغا، خطابه العدائي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مطلقاً اتهامات ضد الجزائر بـ "دعم الإرهاب الدولي". ويأتي هذا الموقف في سياق تصعيد متواصل للأزمة الدبلوماسية بين باماكو والجزائر، ليكشف عن توجه ممنهج نحو توتير العلاقات مع الجارة الشمالية.

هذا الخطاب المتكرر من السلطات الانتقالية في مالي لا يمكن قراءته إلا في بعدين أساسيين كما سبق وأن أكده متابعون: داخلي، باعتباره محاولة لخلق "عدو خارجي" يساهم في ترميم شرعية انتقالية هشة وهروبا من الفشل السياسي والتنموي. وخارجي حيث يسعى النظام الانقلابي إلى الدفع بدعم وتحريض من قوى أجنبية مهيمنة على صناعة القرار في باماكو نحو مواجهة مفتوحة مع الجزائر  التي ظلت دوماً ملتزمة بخيار الوساطة والحلول السلمية، وقدمت مقاربات تنموية لحماية الاستقرار في منطقة الساحل التي تمثل عمقاً استراتيجياً لأمنها القومي.

بدا واضحا أن التوجه العدائي المتجدد لعسكر باماكو ينسف الجهود المتكررة التي بذلتها الجزائر لاحتواء التوتر، سواء عبر تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون، أو مبادرات رئيس أركان الجيش، أو تحركات الدبلوماسية الجزائرية على المستويين القاري والدولي. فقد سعت الجزائر دوماً إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع السلطة الانتقالية ومع مختلف الفاعلين المحليين في شمال مالي، استناداً إلى روابط اجتماعية واقتصادية عميقة وإلى سجلها الطويل في إدارة الوساطات الناجحة في القارة الإفريقية.

وعلى خلاف الإدعاءات وحملة الشيطنة المدعومة من دوائر معادية للجزائر، فإن الجزائر التي يشهد لها بالريادة في محاربة الإرهاب، بل صنفت كمرجع عالمي في مكافحة الظاهرة، لا تحتضن جماعات مسلحة، بل تستضيف شخصيات وازنة تُعتبر ركائز لأي حل سياسي مستقبلي، على غرار الإمام محمود ديكو المعروف بمواقفه الداعية إلى الحوار، إلى جانب شخصيات من الطوارق وغيرهم من الفاعلين. هذه الشخصيات ترى في الجزائر وسيطاً نزيهاً، في حين يواصل قادة باماكو - وفي مقدمتهم العقيد أسيمي غويتا- التمسك برؤية مغلوطة تزعم انحياز الجزائر، متجاهلا إشادة المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، بالدور المحوري للجزائر في تسوية الأزمة المالية.

ورغم حملات التشويه والعداء المتكررة، بقيت الجزائر وفية لمبادئها في التضامن وحسن الجوار. فقد اختارت مقاربة تنموية تجاه دول الساحل، معتبرة التنمية ومحاربة الفقر والتهميش ركائز أساسية لاستقرار الإقليم، على عكس المقاربات العسكرية التي أثبتت محدوديتها. بل إن الجزائر كانت من أبرز المعارضين لانتشار القوات الأجنبية بصيغتها الجديدة، ممثلة في "المرتزقة الروس"، لما يشكله ذلك من تهديد مباشر لتوازن المنطقة.

وفي آخر لقاء إعلامي دوري له، شدد الرئيس تبون على أن التنمية والحوار الداخلي، بعيداً عن الأجندات الخارجية، يمثلان شرطا أساسيا لتحقيق الاستقرار في الساحل، فلدى تطرّقه للشأن الإقليمي، أكد مجددا أن الأولوية يجب أن تكون لتحسين ظروف المعيشة بدل الانجرار في سباقات التسلح، في وقت تغيب فيه أدنى مقومات الحياة وأساسيات المعيشة اليومية للمواطن. وانطلاقاً من هذا المبدأ، دعمت الجزائر في السنوات الأخيرة جوارها بمشاريع اجتماعية وبنى تحتية، ودعت باستمرار إلى بناء تكامل تنموي إقليمي يحقق مصالح الشعوب.

وردا على افتراءات الطغمة الجديدة، لطالما أكد الرئيس تبون، أن الجزائر لا تسعى إلى الهيمنة، بل تعتبر أن أمن الساحل جزء لا يتجزأ من أمنها الوطني، ما يجعل التنمية هناك خيارا استراتيجيا لا مفر منه.