الزكاة في الإسلام ليست مجرد عمل طيب من أعمال الخير والبر والإحسان، لكنها ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته، وعمود من أعمدته، فليست إحسانا اختياريا ولا صدقة تطوعية، إنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي، وهي في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء، فليس فيها أي معنى من معاني التفضل والامتنان ممن يخرجها على من يعطيها له.
جعل الإسلام الزكاة محك الإيمان وبرهان الإخلاص، وهي فيصل التفرقة بين الإسلام والكفر، وبين الإيمان والنفاق، وبين التقوى والفجور. ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم مُعاذا إلى اليمن قال: “إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”.
والزكاة قرينة الصلاة في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وقد أجمع المسلمون على فرضيتها إجماعا قطعيا، فمن أنكر وجوبها مع علمه بها فهو كافر خارج عن ملة الإسلام.
ولا تعد زكاة المال عبادة فحسب، بل هي حق للمسلم الفقير في مال المسلم المقتدر، فكل مسلم وهبه الله مالا بلغ نصابا، وحال عليه الحول، خال من الديون أو توفرت فيه شروط الزكاة وجب عليه زكاته، وهو مطالب بأن يخرج هذه الزكاة، وأن يقيم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى وشكرا له على ما وهبه وأنعم عليه.
ولتشريع الزكاة حِكم كثيرة ومقاصد عظيمة ومصالح تظهر من خلال التأمل لنصوص الكتاب والسنة التي تأمر بأداء فريضة الزكاة، مثل آية مصارف الزكاة في سورة التوبة، وغيرها من الآيات والأحاديث التي تحث على الصدقة والإنفاق في وجوه الخير بشكل عام. فهي تطهر النفس من الشح والبخل، وتحميها من التعلق الشديد بالدنيا، وتخفف من ولوعها بالمال، وارتباط القلب به فتحررها من عبودية الدرهم والدينار، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. وتطهر المال وتنميه وتنزل البركة فيه، فعن عن أنس رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله.. إني ذو مال كثير وذو أهل وذو حاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “تخرج الزكاة من مالك؛ فإنها طهرة تطهره، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل”. وفي هذا قال أفضل الخلق محمد عليه الصلاة والسلام: “ما نقص مال من صدقة”، وصاحب الزكاة والإنفاق موعود بالخلف والتوفية؛ قال تعالى: {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}.
كما أن الزكاة تنقي نفس المؤمن من الطمع وحب المال، ولا تختلف الزكاة في فضلها عن الصدقة، فالصدقة تطهر النفس كذلك، وتمنع فيها أسباب البخل والأنانية، ففيها تزكية نفس المؤمن من أوضار الذنوب والآثام وآثارهما السيئة على القلوب، وتطهير روحه من رذيلة البخل والشح وما يترتب عليهما من آثار سيئة، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. وإن من مقاصد الزكاة إغناء الفقراء، والفقير يشعر بالزكاة أنه ليس ضائعا في المجتمع، ولا متروكا لفقره وعوزه، ويستمتع بكرامته عندما يأخذ حقه الذي شرعه له المولى عز وجل.
ولقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من يماطل في أدائها بنزع البركة من الأموال وتسليط الآفات عليها، وحبس الأمطار، والابتلاء بالمجاعة والقحط؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: “.. ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا”. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يُؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد”. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يُطوقه يوم القيامة، كم يأخذ بِلهْزَمتَيه (يعني شدقيه)، ثم يقول أنا مالك؛ أنا كنزك، ثم تلا: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}.
الخبر
07/07/2025 - 00:03
الخبر
07/07/2025 - 00:03
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال