يقول الحق سبحانه: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}، قال سيد قطب رحمه الله في ”ظِلاله”: ”يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحا، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك لتصل في النهاية إلى ربك، فإليه المرجع وإليه المآب، بعد الكد والكدح والجهاد”.
إن المتأمل في أحوال الناس يرى أنهم مذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو النار؛ لأن الدنيا ليست لهم بدار مقام، وليست هي الدار التي خلقوا لأجلها، قال ربنا جل في علاه: {ثم إلى ربكم ترجعون}. وقد صور لنا المعصوم عليه الصلاة والسلام حال المؤمن في هذه الدنيا الزائلة الفانية بقوله: ”كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”.
أيها الفاضل.. إنك في هذه الدنيا الفانية الزائلة مسافر إلى ربك وراحل إليه، وستقف أمامه لا محالة، وسيكلمك وليس بينك وبينه ترجمان: ”ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة، ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة”.
واعلم أن كل مسافر له أحوال؛ فالمسافر إلى الشيطان له أحوال، والمسافر إلى الرحمن له أحوال، فالمسافر إلى ربه يهيئ الزاد الذي يوصله إلى رضا ربه وجناته، وعليه أن يُقلل من الدنيا: {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع}، وقد ذم الله عز وجل أهل الدنيا الذين تشبثوا بها وتركوا الآخرة، ثم كشف حقارة هذه الدنيا، حيث مثلها بالشاة الميتة التي لا تساوي عند الإنسان شيئا، فقال: ”والله لا الدنيا أهون على الله من هذه عليكم”، وعند الترمذي: ”لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء”.
ولنتأمل كيف كانت حياة رسول الله من الزهد في الدنيا والتقلل منها، ففي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: ”لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل، التمر الرديء، ما يملأ بطنه”. وعند البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ”ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين”.
فيا أيها الراحل المسافر إلى ربه، اعلم أن زاد المسافر الهمة العالية والاجتهاد العظيم، فالسائر إلى ربه يبذل الجهد ويستفرغ الطاقة في سبيل إرضاء ربه، فهو صاحب همة عالية، يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل الغاية المأمولة؛ لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن اللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولله در أبي الطيب المتنبي حين قال:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
الخبر
26/10/2025 - 22:22
الخبر
26/10/2025 - 22:22
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال