قال ابن الجوزي رحمه الله: مَن أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل، فإنه ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافيه التقوى وإن قل إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجلة، ومن الاغترار أن تسيء فترى إحسانا فتظن أنك قد سومحت، وتنسى: ”من يعمل سوءا يُجزَ به”، وربما قالت النفس: إنه يغفر فتسامحت، ولا شك أنه يغفر ولكن لمن يشاء.
وأنا أشرح لك حالا فتأمله بفكرك تعرف معنى المغفرة، وذلك أن من هفا هفوة لم يقصدها ولم يعزم عليها قبل الفعل، ولا عزم على العود بعد الفعل ثم انتبه لما فعل فاستغفر الله، كان فعله وإن دخله عمدا في مقام خطأ، مثل أن يعرض له مستحسَن فيغلبه الطبع فيطلق النظر ويتشاغل في حال نظره بالتذاذ الطبع عن تلمح معنى النهي، فيكون كالغائب أو كالسكران، فإذا انتبه لنفسه ندم على فعله، فقام الندم بغسل تلك الأوساخ التي كانت كأنها غلطة لم تقصد، وهذا معنى قوله تعالى: ”إذا مسّهُم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مُبصِرون”.
فأما المداوم على تلك النظرة المردد لها، المصر عليها، فكأنه في مقام متعمد للنهي، مبارز بالخلاف، فالعفو يبعد عنه بمقدار إصراره، ومن البعد أن لا يرى الجزاء على ذلك، قال ابن الجلاء: رآني شيخي وأنا قائم أتأمل حدثا نصرانيا، فقال: ما هذا ؟ لَتريَنَّ غِبها (عاقبتها) ولو بعد حين، فنسيت القرآن بعد أربعين سنة !!
واعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب، فإن العقوبة تتأخر، ومن أعظم العقوبة أن لا يحس الإنسان بها، وأن تكون في سلب الدين، وطمس القلوب، قال بعض المعتبرين: أطلقت نظري فيما لا يحل لي، ثم كنت أنتظر العقوبة، فألجأت إلى سفر طويل لا نية لي فيه، فلقيت المشاق، ثم أعقب ذلك موت أعز الخلق عندي، وذهاب أشياء كان لها وقع عظيم عندي، ثم تلافيت أمري بالتوبة فصلح حالي، ثم عاد الهوى فحملني على إطلاق بصري مرة أخرى، فطمس قلبي وعدمت رقته، فها أنا أنادي مَن على الساحل: إخواني احذروا لجة هذا البحر، ولا تغتروا بسكونه، وعليكم بالساحل ولازموا حصن التقوى فالعقوبة مرة، والعاقل من تلمح العواقب. والله ولي التوفيق.
إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي – براقي
الخبر
22/12/2025 - 00:07
الخبر
22/12/2025 - 00:07
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال