في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتشعب فيه استخدامات الشبكة العنكبوتية، أصبحت الجريمة الإلكترونية واقعًا يفرض نفسه بقوة، سواء في أروقة القضاء أو على صفحات الإعلام.
ولأن هذا النوع من الجرائم لا يزال ملتبسًا لدى كثيرين، التقت الخبر بالأستاذ عباس بومامي، الصحفي السابق والباحث الأكاديمي بجامعة المسيلة، وأجرت معه حوارًا حول هذا الموضوع الذي بات يؤرق الحكومات والمجتمعات على حد سواء.
سألناه بداية عن تعريفه للجريمة الإلكترونية، فأوضح أن الحديث عن هذا المفهوم لا يمكن أن يتم بمعزل عن فهم محيطه، أي "المواطنة الإلكترونية"، فالشخص غير المنخرط في الفضاء الرقمي لا تعنيه هذه الجرائم من قريب أو بعيد، وأضاف أن الجريمة الإلكترونية تعني المساس غير المشروع بالأنظمة والمعلومات الرقمية، إلا أن الحاسوب ليس وحده المتورط في هذا النوع من الجرائم، بل هناك أجهزة وأدوات أخرى قد تغيب عن بال الكثيرين.. فالاقتحام لا يكون فقط عبر لوحة مفاتيح، بل قد يتم عبر ميكروفون خفي، كاميرا صغيرة، أو أجهزة تجسس متطورة لم تُكتشف بعد، وبيّن بومامي أن لب الجريمة الرقمية يكمن في عملية "الإرسال"، فهي اللحظة التي يتحول فيها الفعل إلى ضرر متعدٍّ عبر الشبكة، وبالتالي فإن الجريمة لا تكتمل دون هذا البُعد الاتصالي.
وعن تاريخ هذه الجرائم، أشار إلى أنها ليست وليدة الأمس، بل تعود جذورها إلى بدايات القرن العشرين مع استخدام الهاتف، حيث كان موظفو الاتصالات يتنصتون بدافع الفضول والتسلية، لتتطور الأمور لاحقًا مع الإنترنت، وتتحول من مزحة إلى إثبات تفوق وصولًا إلى الإجرام المتقن.
أما عن دوافع المجرم الإلكتروني، فقد صنفها إلى دوافع نفسية، كالشعور بالنقص والرغبة في التميز، واجتماعية مثل الانتقام من المجتمع أو من أشخاص بعينهم، واقتصادية كتزييف البطاقات البنكية واختراق الحسابات المالية، وأخرى أمنية تتعلق بجمع المعلومات لأغراض استخباراتية.
وأضاف أن المجرم الرقمي غالبًا ما ينتمي إلى وسط اجتماعي مميز، ما يجعل تتبعه أكثر صعوبة.
وفيما يخص الخصائص التي تميز هذه الجريمة عن نظيرتها التقليدية، أوضح أن أبرزها يتمثل في غياب المكان المادي للجريمة، فهي تقع في فضاء افتراضي لا يخضع لاختصاص جغرافي واضح.
كما أن سهولة محو الأدلة الرقمية تمثل تحديًا كبيرًا أمام أجهزة التحقيق، فضلًا عن تعقيد اللغة الرقمية الجديدة التي تميز التواصل في العالم الافتراضي. ولفت إلى أن بعض الجرائم التقليدية باتت تُنفذ بأساليب رقمية غير مألوفة، كالغش في الامتحانات بواسطة تقنيات متطورة. ومن أخطر الخصائص، حسبه، أن عدد الجرائم المكتشفة أقل بكثير من الواقع، بسبب تردد الضحايا في الإبلاغ، ما يجعل "الرقم المظلم" لهذه الجرائم عاليًا جدًا. كما أن هذه الجرائم تعتمد على قدر كبير من الذكاء والدهاء، وتكاد تكون عابرة للقارات.
وتوقف أيضًا عند خاصية "الطابع العصامي" لدى مرتكبيها، إذ أن كثيرًا منهم علموا أنفسهم بأنفسهم دون وعي قانوني أو أخلاقي.
وعن سؤالنا حول وجود هاكرز في الجزائر، أكد بومامي أن بلادنا ليست استثناءً، بل فيها من يصنفون ضمن أخطر المجموعات. وشرح تصنيف القراصنة إلى "القبعات السوداء" وهم الأخطر، و"الرمادية" و"البيضاء" وهم الأقرب إلى الناشطين الأخلاقيين.
كما أشار إلى الجرائم التي يرتكبونها، من اختراقات وسرقات وابتزازات إلكترونية، وصولًا إلى التعدي على الملكية الفكرية. وأبرز أن الجزائر أنشأت أجهزة لمكافحة هذا النوع من الجريمة، منها المخبر الجنائي التابع للدرك الوطني ببوشاوي، وهيئة وطنية لم تُفعل بعد، رغم خطورة الملفات وتزايد الأرقام، خاصة فيما يتعلق بجرائم الشرف والابتزاز.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال