أحالت غرفة الاتهام بمجلس قضاء عنابة، بداية الأسبوع الجاري، على محكمة الجنايات، ملف قضية مثيرة تتعلق بتقليد أختام الدولة والقنصليات والمحاكم والبنوك وكذا مختلف الإدارات المحلية والوطنية، بالإضافة إلى تقليد أختام لولاة ورؤساء المجالس البلدية عبر كامل إقليم ولاية عنابة، وأختام أخرى لمحامين ومترجمين وموثقين.
تعود تفاصيل هذه القضية، التي تورط فيها، حوالي ثلاثين شخصا، إلى بداية أكتوبر 2024، بعدما أعطت النيابة المختصة تعليماتها الصارمة من أجل التحقيق في هذه القضية وتقديم جميع المتورطين إلى العدالة وردع المتلاعبين، ما عجل بفتح مصالح البحث والتحري للدرك الوطني تحقيقا، بناء على معلومات مسبقة، مفادها وجود شبكة إجرامية مختصة في تزوير مختلف الوثائق الإدارية والمحررات العرفية باستعمال أختام الدولة المقلدة، يقودها العديد من الأشخاص من بينهم مبحوث عنه، يقيم حاليا بفرنسا، وموظفون وأعوان أمن يشتغلون بمصالح بلدية عنابة، بالإضافة إلى بطالين وسائق سيارة أجرة، الذي كان يستعمل سيارته في التمويه لنشاط هذه الشبكة الإجرامية والتكفل بنقل وتوزيع الوثائق المزورة على طالبيها المقيمين عبر العديد من ولايات الوطن.
مركز العمليات في غرفة النوم
عملية التفتيش أفضت إلى حجز أجهزة إعلام آلي وحوامل مغناطيسية بمنزل المشتبه فيه الرئيسي. كما تبين لمصالح الدرك، أن استخراج الوثائق المزورة التي يحررها يتم حملها على حامل مغناطيسي يسلمه لصاحب الوثيقة الذي يستخرجه حسب معرفته ويقدم له الوثيقة فيما بعد للختم عليها بأختام مقلدة. توسيع إجراءات التحقيق من قبل مصلحة البحث والتحري للمجموعة الإقليمية للدرك الوطني بعنابة، مكن من تحديد الهوية الكاملة لمجموعة من المشتبه فيهم، ومقرات سكنهم بدقة، ليتم بعدها إخطار نيابة محكمة عنابة، بمجريات القضية والحصول على طلب إذن بتفتيش منازل المشتبه فيهم للاشتباه في تورطهم في قضايا تتعلق بالتزوير واستعماله، والنصب والاحتيال وتقليد الأختام.
ووفقًا لمعطيات أمنية بحوزة "الخبر"، جاء التحرك الأمني، على عدة مستويات، ما مكن من العثور في منزل المشتبه الرئيسي، المقيم بحي 08 مارس في بلدية عنابة وبداخل غرفة نومه، على "إدارة متنقلة" وحجز 33 ختما مقلدا خاصا بمختلف الإدارات العمومية، وكذلك أختام مقلدة خاصة بالموظفين بمصلحة الحالة المدنية، وأختام أخرى دائرية منها "الختم الجمهوري" والمركز الجواري للضرائب لولاية عنابة، والختم الشخصي لرئيس المجلس الشعبي البلدي ومسير الفرع المفوض، وأختام بأسماء عدد من ضباط الحالة المدنية، وختم دائري مكتوب عليه ولاية عنابة ودائرة عنابة يحمل رقم 21، وختم مستطيل الشكل مكتوب عليه المدير الفرعي للتحصيل والمنازعات، وختم مكتوب عليه عن الوالي الأمين العام للدائرة بالنيابة، وختم مستطيل الشكل باللغة الفرنسية خاص بالمصادقة لمختلف الوثائق لوزارة الشؤون الخارجية.
"فرشيطة".. الأب الروحي
عند استجواب المتهم الرئيسي، صرح بأن كل الأختام المحجوزة، ملك له وكلها مقلدة اشتراها من قبل بمبلغ مالي 20.000 دينار من المدعو "فرشيطة" سنة 2022، وحسب المعلومات الأمنية، فإن المعني غادر أرض الوطن بطريقة غير شرعية إلى فرنسا.
وأوضح أن تعامله معه، من أجل تزوير مختلف الوثائق الإدارية كان منذ سنة 2016، وكان دوره يكمن في تزوير ملفات التأشيرات إلى الدول الأوروبية، باستعمال جهاز إعلام آلي محمول، الذي تم حجزه، وبعد إتمام عملية التزوير على الوثائق يحملها على حامل مغناطيسي ويسلمه للمدعو "فرشيطة" الذي يتولى نسخها دون علمه بمكان نسخها، كما أنه منذ سنتين أصبحت عمليات التزوير التي يقوم بها تقتصر على مختلف شهادات الحالة المدنية وعليه يستعمل الأختام الخاصة بولاية عنابة ومختلف البلديات والدوائر فقط، وأنه لم يستعمل نهائيا باقي الأختام، بدليل العثور بمنزله على خمس نسخ عن بطاقات التعريف البيومترية.
الأبحاث والتحريات المتواصلة، مكنت من تحديد هوية جميع المشتبه فيهم، وتوقيفهم. وخلال عملية التفتيش، عثر محققو الدرك الوطني بحوزتهم على وثائق مزورة، وأختام مقلدة ومزيفة، بالإضافة إلى وثائق للحالة المدنية وحالات ضريبية وطلبات تأشيرات إلى الخارج وشهادات إقامة، تم الحصول عليها بطرق احتيالية وباستعمال هويات وهمية.
وأظهرت عملية التحقيق الاجتماعي مع المشتبه فيهم واعترافات بعضهم، والتدقيق في قاعدة بيانات الأمن الوطني، أن أحدهم متواجد حاليا في حالة فرار ويقيم في فرنسا، مطلوب بموجب مذكرات بحث وطنية صادرة عن المحاكم المختصة، لضلوعه في قضايا مماثلة تتعلق بالنصب والاحتيال والتزوير.
كما تم العثور أيضا بمنزل المشتبه فيهم على وثيقتين، الأولى تصحيح إداري في الحالة المدنية مرقمة صادرة عن محكمة عنابة، التي يتم استعمالها من أجل تغيير اللقب بالفرنسية ومختوم بختم محكمة عنابة وغير ممضي أو عليه ختم شخصي، بالإضافة إلى العثور على وثائق أخرى مثل قرارات تصحيح وثيقة الحالة المدنية مختوم بختم محكمة عنابة بغرض تصحيح عقود الميلاد.
كما حجزت مصالح الدرك الوطني، بمنزل المشتبه فيه، شهادات ميلاد تخص العشرات من المواطنين، غير مختومة وغير ممضاة، علاوة على عقود زواج غير مختومة، كما صرح المشتبه فيه بأنه استخرج هذه الوثائق من بلدية عنابة.
وقد أسفرت عملية تفتيش منزل المشتبه فيه الثاني، الذي يعمل كسائق أجرة، على حجز 39 نموذجا من الوثائق الإدارية المختلفة المتمثلة في 07 شهادات طبية عامة وصدرية وتقارير خبرة و06 طلبات استغلال وكراء سيارة أجرة وطلبات استعمال سائق إضافي، علاوة على نماذج لها علاقة بتصريح شرفي بعدم العمل، شهادات عزوبة أو تكرار عدم الزواج، وتصاريح شرفية بالمنحة الجزافية للتضامن و14 من نماذج طلبات وعروض عمل الموجهة إلى وكالة التشغيل، ونماذج أخرى لشهادات العمل والأجر باللغة الفرنسية، وكذا طلب الحصول على تأشيرة باللغة الفرنسية، واستمارات طلب بطاقة ترقيم المركبات.
وبعد تحديد ورصد مكان تواجد المشتبه فيه الثالث، الذي كان يعمل كعون أمن في بلدية عنابة، والمقيم بحي لاكولون وسط مدينة عنابة، تم توقيفه وتفتيش مسكنه، حيث تم حجز ثلاثة وأربعين ختما من مختلف الأحجام والأنواع للقنصلية العامة الجزائرية بمرسيليا ومختلف الإدارات العمومية والخاصة والأختام الشخصية لبعض الموثقين والموظفين العموميين، وأختام دائرية مكتوب عليها ولاية عنابة وبلديات واد العنب، سيدي عمار، دائرة عين الباردة، وبلدية عنابة مصلحة الحالة المدنية، بالإضافة إلى ختم دائري مكتوب عليه ولاية الطارف.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال