انتهت مؤسسة "مصمودي" من أشغال دعم وحماية قصر الباي بوهران، في إطار صفقة إنجاز الأشغال الاستعجالية لوقاية هذا المعلم الأثري المشيّد منذ أكثر من قرنين، من طرف محمد الباي الكبير، بعد استرجاعه المدينة من الاحتلال الإسباني.
وشملت الأشغال مختلف أجنحة المعلم الأثري، المتربع على مساحة تقدر بـ 5.5 هكتار، حيث تم وضع أعمدة خشبية وركائز حديدية لتفادي سقوط البناية وتوقيف التشققات في عدة فضاءات، على غرار الديوان، والحمّام، والحرم، والغرفة المفضلة، وأبراج المراقبة، والبرج الأحمر المريني. كما تم وضع صفائح حديدية فوق البنايات لحمايتها من الأمطار والتسرّبات المائية التي تتسبب عادة في اهتراء الجدران القديمة وسقوطها، مثلما حدث مؤخرا في مسجد سيدي الشريف بالقصبة العتيقة، رغم استفادته من أشغال استعجالية.
وخلال زيارتنا للموقع، وقفنا على النوعية الجيدة للأشغال الاستعجالية، من خلال تدعيم مختلف أجنحة القصر بألواح خشبية مثبتة على ركائز حديدية، جرى طلاؤها بدهان أحمر خاص مقاوم للصدأ، ويمنع نمو الحشرات والفطريات على الخشب. وقد ساهمت الدعائم المثبتة أسفل الشرفة الخارجية للديوان في إنقاذها وحمايتها من انهيار كان مؤكدا، خاصة خلال التساقطات الغزيرة للأمطار التي تعرفها وهران، نظرا للتشققات الكبيرة التي أصابت جزءا من الشرفة والأعمدة الرخامية في السنوات الأخيرة، إلى جانب اهتراء الدعائم الخشبية القديمة المنجزة سنة 1998.
ويبقى الديوان، الجناح الرئيسي بالقصر، الجزء الأكثر تضررا، حيث قام العمال بوضع دعامات خشبية، مع الحرص على تغطية بلاط الزليج بصفائح خشبية رقيقة لتفادي تضرره. كما تم تدعيم الجزء الداخلي لمنع سقوط السقف المزين بالزخارف الإسلامية والكتابات العربية، التي تمجد نابليون الثالث وحلمه في إرساء مملكة عربية.
وينطبق الأمر ذاته على الجناح الواقع خلف الديوان والملاصق للملحقة المشيدة خلال الفترة الفرنسية، والذي يعرف انهيارات جزئية في الجدران والسقف. كما استطاعت أبراج المراقبة المعروفة بـ "إيشوقات"، الواقعة على حصن روز الكازار والمطلة على الطريق العمومي، مقاومة الانهيار بعد تغطيتها بألواح وأسلاك حديدية، بعدما كانت تتعرض للتفتت في كل موسم أمطار.
وتعد عملية حماية البرج الأحمر من أبرز إنجازات المؤسسة المختصة، نظرا لدرجة الاهتراء الكبيرة التي عرفها هذا المعلم، الذي تعود بعض أجزائه إلى الفترة المرينية، وهو عبارة عن بناية حراسة شُيّدت لحماية القصر وضمان التواصل مع بقية النظام الدفاعي العسكري للمدينة. كما خضع حمّام الباي لنفس الأشغال، مع تقليم شجرة الفيكس العملاقة التي كانت جذورها المتغلغلة داخل الأسوار تهدد البناية بالانهيار.
وتبرز هذه الأشغال بوضوح امتلاك الجزائر لطاقات وكفاءات وطنية في مجال الترميم والأشغال الاستعجالية، نتيجة تراكم الخبرة من خلال ترميم العديد من المعالم الأثرية ومئات العمارات بوهران خلال السنوات الأخيرة، وهي يد عاملة مؤهلة كانت الجزائر في السابق تستقدمها من الخارج. وعندما تُسند المشاريع إلى أصحاب الخبرة، على غرار مؤسسة "مصمودي" ومكتب الدراسات "علي باشا"، لا تكون هناك حاجة لزيارات تفقدية متكررة لتسريع وتيرة الأشغال أو مراقبة نوعيتها.
وقد جرت الأشغال تحت إشراف مكتب الدراسات "علي باشا"، صاحب الدراسة، وبمشاركة مؤسسة الإنجاز "مصمودي عبد الحميد"، التي رست عليها الصفقة بقيمة تقارب 79 مليون دينار جزائري، ومدة إنجاز قدرت بـ 12 شهرا، بعد الإعلان عن الصفقة بتاريخ 31 أكتوبر 2024 من طرف مديرية الثقافة والفنون لوهران، بصفتها صاحبة المشروع. وبعد الاستلام الرسمي للأشغال من طرف المديرية، ستشرع السلطات في الإعداد لصفقة ترميم قصر الباي، وتحديد التكلفة المالية، واختيار المؤسسات المختصة.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال