لقد عرف المسلمون في تاريخهم الطويل نكبات ومصائب، وعضهم الدهر عضّا، وبعض نكباتهم لا يزال يذكرها التاريخ، ولا يزال ألمها يعصر قلوب كثير من المسلمين الواعين، كسقوط بغداد قديما وحديثا، وكالاستدمار الغربي الذي أذلّ أغلب الشعوب العربية والإسلامية في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين.
لكن تلك النكبات لم يكن يعلم بها باقي المسلمين إلا بعد حدوثها وانقضائها، إذ كانت تنقل روايات وأخبارا ولا يشهدها إلا من ابتلي بها وعاينها، أما الإبادة الجماعية الوحشية التي يتعرض لها إخواننا في غزة الشهيدة فهي تحدث أمام سمع وبصر العالم أجمع، بما توفره التقنية الحديثة وتطور وسائل التواصل من نقل الحدث صورة وصوتا في الحين والآن، وحكومات الدول العربية والإسلامية صامتة وأكثرها متواطئ مع الصهاينة، ويحرضهم على القضاء على المقاومة وحماس والقسام خاصة؛ لكونهم إخوانا مسلمين، وفكر الإخوان وتيارهم هو المهدد الوحيد لهذه الأنظمة الذي يمكنه إحداث تغيير في البلاد العربية والإسلامية وإراحة شعوبها منهم ومن استبدادهم وتزويرهم وشرعياتهم المغشوشة، واعجب ما شئت لهذه الحسابات الضيقة، والرؤى المختنقة!.
وا ذُلّاه!.. وا ويحاه!.. إخواننا.. أطفالنا.. أخواتنا.. آباؤنا وأمهاتنا وبناتنا وشبابنا يحاصرون لسنوات طوال، وحرب وراء حرب.. ليختم المشهد بإبادة جماعية وحشية تنقل مباشرة على أثير الفضائيات، ويزاد على ذلك حرب تجويع إجرامية إرهابية منذ أكثر من شهرين!. الأطفال يموتون جوعا جلدا على عظم!. وصورهم تعرض علينا صباح مساء!. الحوامل يستغثن ولا مغيث!. المرضى لا يجدون الدواء وتدكّ المستشفيات على رؤوسهم!. وإخواننا يموتون جوعا في الطرقات... أين المسلمون؟!. أين الملياران؟!. أين ولاة الأمور؟!. وأين عباد ولاة الأمور!... إنه عار لا تمسحه مياه المحيطات ولو مدت بسبعين محيط!.
إن المسؤولية الكبرى والأساسية تقع على عاتق ورؤوس حكام العرب والمسلمين وحكوماتهم، الذين لم يحركوا ساكنا ولم يبذلوا أي جهد يذكر، ما عدا الجهاد الديبلوماسي الجزائري، ووصل الذل ببعض الحكومات العربية أن تتكرر التقارير الإعلامية التي تؤكد تواطؤهم مع الكيان وأمريكا ضد إخوانهم في غزة، ومشاركة بعض جيوشهم في المعركة، ودعمهم الكيان اقتصاديا، وهم لا ينكرون ذلك حتى بتقارير إعلامية معاكسة!. ومن ثبت هذا في حقه ثبوتا قطعيا فقد خلع رِبقة الإسلام من عنقه يقينا. ثم تقع المسؤولية على الشعوب العربية والإسلامية التي خذلت إخوانهم في غزة للأسف إلا القليل منهم، حتى إن موقف الشعوب الأوربية أفضل بكثير من تحركات الشعوب العربية الإسلامية، وهذه البلادة والبرودة في الشعوب لم يعرف التاريخ لها نظير!. واعجب أن علم الكيان المجرم ما يزال يرفرف في عواصم عربية عدة!. وأفراد الشعوب تمر عليها صباح مساء، ولا ينقصها إلا أن تؤدي له التحية!.
إنه لم يطلب من الحكومات العربية والإسلامية أن تعلن الحرب على الكيان، لا سمح الله!. ولم يطلب منها قطع علاقاتها مع العدو الوكيل (الكيان الصهيوني) أو مع العدو الأصيل (أمريكا)، لا سمح الله!. ولم يطلب منها قطع البترول والغاز عن الدول الغربية للضغط عليها، لا سمح الله!. وطبعا ومؤكد أنه لم يطلب منها دعم المقاومة بالسلاح والمال، لا سمح الله!. طلب منها فقط إدخال قرصة خبز، وقارورة ماء، وقنينة دواء، وبرميل محروقات!. ولا أقول فشلوا، بل خذلوا غزة عامدين قاصدين!. فلعنة الله على المتخاذلين الخاذلين!.
إن ما يحدث في غزة من إبادة جماعية والقتل بالتجويع لإخواننا المسلمين بمباركة بعض المسلمين، وتفرج باقيهم أمر جلل خطير: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}، وإذا نجونا منه فقد نجونا من عظيم، فإن أخشى ما يخشاه المؤمن أن يعمنا الله بعقابه بسبب هذا الخذلان المريع، وهذا الموقف المهين، وهذا التفرج الفاجر على آلام إخواننا وأخواتنا، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما، فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا عنه، ولا يقفن أحد منكم موقفا يضرب فيه أحد ظلما، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه» رواه الطبراني، هذا في رجل واحد يضرب أو يقتل ظلما، فكيف بشعب مسلم يقتل ظلما بهمجية ووحشية، ويضرب بالصواريخ؟!. إنها فاضحة ما لها من دون الله كاشفة!.
الحق الحق أنه يجب أن نسأل: هل نحن مؤمنون حقا؟، هل نحن مسلمون حقا؟، ذلك أن خطاب رب العالمين لمؤمنين هو ما قاله رب العالمين: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}، {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان}، ومن لا يعنيه هذا الخطاب فليس بمسلم. وذلك أن وصف المؤمنين هو ما قاله الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله» رواه مسلم، «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا» رواه البخاري ومسلم، «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه مسلم. فمن لم يتحقق بهذه الأوصاف، ما علاقته مع المسلمين؟.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
الخبر
14/05/2025 - 23:03

الخبر
14/05/2025 - 23:03
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال