اسلاميات

فضائل العشر من ذي الحجة ووظائفها

من رحمة الله بالعباد أن فاضل بين الأوقات والأزمنة، فاختار منها أوقاتا خصّها بمزيد الفضل وزيادة الأجر؛ ليكون ذلك أدعى لشحذ الهمم، وتجديد العزائم

  • 521
  • 3:26 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

من رحمة الله بالعباد أن فاضل بين الأوقات والأزمنة، فاختار منها أوقاتا خصّها بمزيد الفضل وزيادة الأجر؛ ليكون ذلك أدعى لشحذ الهمم، وتجديد العزائم، والمسابقة في الخيرات والتعرض للنفحات، ومن هذه الأزمنة الفاضلة أيام عشر ذي الحجة التي اختصت بعدد من الفضائل والخصائص.

الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة أيام مباركات خصها الله جل وعلا بخصائص وميَّزها بميزات، وإن وقفة من المؤمن مع خصائص هذه الأيام تجدد النشاط فيه ليقبِل بقلبه ونفسه على طاعة الله جل وعلا وحُسن العبادة وحسن الإقبال عليه سبحانه. ومما يدل على عظم فضلها أن الله أقسم بها في كتابه تنويها بشرفها وعظم شأنها، فقال سبحانه: {والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر}، قال عدد من أهل العلم: إنها عشر ذي الحجة. كما شهد النبي صلى الله عليه وسلم لها بأنها أعظم أيام الدنيا، وأن العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ”ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”، وفي حديث ابن عمر: ”ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.

وفيها يوم عرفة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها: ”ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم، ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلا”. ومن فضلها اجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره). وهناك أعمال صالحة تتأكد في هذه العشر، جاءت النصوص بالحث عليها والترغيب فيها، من أهمها: التوبة النصوح والرجوع إلى الله، والتزام طاعته والبعد عن كل ما يخالف أمره ونهيه بشروط التوبة المعروفة عند أهل العلم.

ومن أهم أعمال عشر ذي الحجة الحج إلى بيت الله الحرام، فمن المعلوم أن هذه الأيام توافق فريضة الحج، والحج من أعظم أعمال البر كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد سُئل أي العمل أفضل، قال: ”إيمان بالله ورسوله”، قيل ثم ماذا؟ قال: ”الجهاد في سبيل الله”، قيل: ثم ماذا؟ قال: ”حج مبرور”.

ومن أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام العشر المحافظة على الواجبات وأدائها على الوجه المطلوب شرعا، وذلك بإحسانها وإتقانها وإتمامها، ومراعاة سننها وآدابها. ومن الأعمال التي ورد فيها النص على وجه الخصوص الإكثار من ذكر الله عموما ومن التكبير خصوصا لقول الله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}، وذهب جمهور العلماء على أن المقصود بالآية أيام العشر، وكما في حديث ابن عمر المتقدم: ”فأكثروا فيهنّ من التهليل والتكبير والتحميد”؛ ويُسن إظهار التكبير المطلق من أول يوم من أيام ذي الحجة في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق وغيرها.

ومن الأعمال الصالحة فيها صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيَّن فضل صيامه فقال: ”صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده”. ومن الأعمال أيضا الأضحية، وهي سنة مؤكدة في حق الموسر، بل إن من العلماء من قال بوجوبها، وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

إذا، تبيّن لك أخي المسلم فضل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، وأن هذه المواسم نعمة وفضل من الله على عباده، وفرصة عظيمة يجب اغتنامها، إذا تبيّن لك كل هذا، فحري بك أن تخص هذه العشر بمزيد عناية واهتمام، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات. ومفهوم العمل الصالح واسع شامل ينتظم كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فينبغي لمن وفقه الله أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها، ويحاول أن يتقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا وصوارفها، فإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وُفّق فيها لصالح القول والعمل.