لا يعد العدوان الصهيوني على غزة مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هو جزء من استراتيجية للكيان الصهيوني، تهدف إلى فرض معادلات أمنية وسياسية جديدة تضمن تفوقه وسيطرته على القطاع، مستغلا عوامل الحصار والتوترات الإقليمية. وتبقى مآلات هذا العدوان كارثية على المستوى الإنساني والسياسي، مع حاجة ملحة إلى إيجاد حلول وطنية فلسطينية شاملة ودعم دولي وإقليمي لوقف العنف وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ويعتبر العدوان على غزة واحدا من أكثر الأزمات تعقيدا في الشرق الأوسط، حيث يشكل أطول حرب يخوضها الكيان ضد الفلسطينيين وأكثرها وحشية ودموية.
تؤدي الحرب الصهيونية على غزة إلى تداعيات مدمرة وغير مسبوقة على السكان والبنية التحتية، حيث تسبب الحصار والعمليات العسكرية في كارثة إنسانية تشمل نقص الغذاء والمياه والكهرباء والوقود وتدمير المستشفيات والمدارس والمرافق الحيوية، ما يزيد من معاناة المدنيين ويؤدي إلى تفاقم الفقر والحرمان، مع استمرار الحصار الصهيوني المفروض على القطاع لأكثر من 17 عاما، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وخلق حالة من اليأس بين السكان.
على الصعيد السياسي، تبرز مآلات معقدة تتمثل في استمرار حالة الانقسام الفلسطيني وصعوبة تحقيق وحدة وطنية فلسطينية شاملة، رغم الدعوات لتشكيل حكومة إنقاذ وطنية انتقالية توافقية بين الفصائل الفلسطينية، التي تمثل دعما للموقع التفاوضي الفلسطيني، كما أن استمرار العدوان وبدرجة وحشية غير مسبوقة يؤدي إلى تعميق حالة الفوضى في القطاع، في ظل إطلاق اليد للكيان لمواصلة عدوانه دون رادع، ما قد يدفع الكيان إلى استراتيجيات أكثر قسوة ويزيد من احتمالات تصعيد الصراع، مع تأثيرات سلبية على الاستقرار الإقليمي والدولي.
تمثلت الشرارة الأولى لعدوان الكيان في 2023 مع عملية "طوفان الأقصى"، التي وجهت ضربة قوية لمصداقية الكيان العسكرية والاستخباراتية. فقد كشفت العملية عن فشل الاستخبارات الصهيونية بفروعها، وهي شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والموساد (المخابرات الخارجية) والشاباك (الأمن الداخلي) في توقع الهجمات، ما دفع الكيان إلى تبني هدف تدمير المقاومة الفلسطينية، لاسيما حركة حماس لاستعادة هيبتها. هذا الهدف، إلى جانب فشل الكيان في تحرير الأسرى، جعل إنهاء الحرب دون تحقيق هذه الأهداف أمرا غير مقبول لديها، ما أدى إلى استمرار الصراع، لاسيما من منظور اليمين الحاكم.
ومن بين أبعاد الحرب العدوانية للكيان البعد التوسعي، رغبة في ضم واحتلال القطاع لما يمثله من أهمية، وهي مقاربة تقاسمها الإدارة الأمريكية أيضا، حيث يتمتع قطاع غزة بأهمية جيواستراتيجية كبيرة بسبب موقعه الجغرافي الذي يربط بين آسيا وإفريقيا، وبين مصر ودول المشرق العربي. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك غزة احتياطيات هائلة من النفط والغاز، مثل حقل "غزة مارين"، ما يجعلها محط أنظار القوى الدولية. هذا المورد الاقتصادي زاد من تعقيد الأزمة، حيث يسعى الكيان للسيطرة عليه.
وما يميز الحرب العدوانية على غزة هو مستويات غير مسبوقة من العنف، حيث خلفت عشرات الآلاف من الضحايا، منهم أزيد من 54 ألف شهيد، معظمهم من المدنيين، مع استخدام الكيان لأسلحة محظورة، مثل الفسفور الأبيض، وفقا لتقارير حقوق الإنسان. هذا العنف المفرط جعل عملية تحقيق السلام أكثر صعوبة، حيث عزز مشاعر الكراهية وزاد من تعقيد جهود الوساطة الدولية، فلجوء الكيان إلى نظرية "الصدمة والترويع" يراد من خلاله وأد المقاومة وإفراغ غزة وتكريس التهجير كواقع ، في وقت تقدم الولايات المتحدة ودول أوروبية دعما عسكريا وسياسيًا كاملاً للكيان،و هذا الدعم يجعل الكيان يرفض أي حل تفاوضي، معتمدا على القوة العسكرية لتحقيق أهدافه.
ويلعب دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية للكيان دورا حاسما في استمرار العدوان. فقد قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ضخمة واستخدمت حق النقض في مجلس الأمن ضد قرارات تدعو لوقف إطلاق النار. في المقابل، أدانت روسيا والصين الهجمات الإسرائيلية، لكن دون تأثير فعّال. هذا التدخل الدولي جعل إنهاء الأزمة مرهونا بإرادة القوى الكبرى، التي لا تبدي رغبة حقيقية في تحقيق سلام عادل.
وتلخص مقولة وزير المالية الصهيوني، ووزير الدولة بوزارة الدفاع، وعضو مجلس الوزراء الأمني المصغر، بتسلئيل سموتريتش، التي أطلقها في جويلية 2024 ومفادها "لن نقبل بصفقة تبدد إنجازات الحرب والصفقة الوحيدة المقبولة هي استسلام من بقي من حماس، وتحرير المختطفين"، مقاربة الكيان الذي يرى في حربه نزاعا صفريا وقضية وجودية، تحت مبرر أمن الكيان وبهدف القضاء على المقاومة ومكوناتها بالإمعان في أعمال التنكيل والإبادة الجماعية.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال