أثّر مرض ملك المغرب وغيابه المتواصل ولمدد مفتوحة عن المملكة، بشكل مباشر على إدارة شؤون الحكم، وفتح ذلك الباب أمام صراع فواعل داخل منظومة الحكم وفي العائلة المالكة بدأت تطفو مظاهرها إلى السطح وتتكشف بعد حجم الخلافات بين أشقاء الملك وبين محيطه وأصدقائه وبين قادة الأجهزة الأمنية الذي خرج إلى العالم مؤخرا.
ما تعيشه اليوم المملكة المغربية من تطاحن بين دوائر الحكم والفواعل الداخلية والخارجية، يكشف عن حجم الهشاشة والتفكك الذي أصاب نظام المخزن، الذي زادت وتيرته بسبب مرض محمد السادس وغيابه المتواصل عن المملكة، مع العلم أن الملك يجمع بين يديه كل الصلاحيات، وغيابه أو مرضه يعطل ويؤثر بشكل كبير على السير الحسن لأجهزة الدولة.
آخر حلقات الصراع الذي انتقل من الغرف المظلمة إلى العلن وأصبحت وسائل الإعلام فضاء لنشر غسيل أجهزة المخابرات المتناطحة، بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) وهي جهاز استخبارات داخلي، بقيادة عبد اللطيف الحموشي الذي يعتبر رجل ثقة محمد السادس، ومن جهة أخرى، المديرية العامة للدراسات والوثائق (DGED)، وهي جهاز استخبارات خارجي بقيادة ياسين المنصوري، الصديق المقرب للملك محمد السادس منذ الصغر.
فلأول مرة يتهم جهاز الحموشي، عبر موقع "برلمان كوم" جهاز المنصوري بالاتجار بالمخدرات، حيث اتهم الموقع محمد مختاري، رئيس العلاقات الدولية، بالتورط في تهريب المخدرات، حيث قال المذيع في بودكاست، في إشارة واضحة إلى ياسين المنصوري: "المهم ليس من يقف وراء تسريب الوثائق التي تُظهر ممتلكات بملايين الدولارات لمسؤولين رفيعي المستوى، بل من أين حصلوا على هذه الأموال". وفيه اتهام مباشر للمنصوري وأجهزته بالاتجار بالمخدرات، وإن كان جهاز الحموشي أيضا متهم بالاتجار بالمخدرات وتسهيل تسويقه من أجل تمويل عملياته، بحكم نقص موارده المالية وفق تحقيق أجرته جريدة "الأندبدنتي" الاسبانية.
تبادل الاتهامات بالاتجار بالمخدرات يعتبر حلقة من حلقات الصراعات بين الأجهزة الاستخباراتية في المغرب، على غرار قضية هروب مهدي حجاوي، نائب رئيس المخابرات الخارجية المغربية السابق (DGED) ومستشار فؤاد عالي الهمة لمدة خمس سنوات، وفؤاد عالي الهمة هو الرجل القوي الحقيقي في القصر ونائب الملك، ويشكل هروبه معركة طاحنة بين المنصوري والحموشي والتي يحركها ملف الخلافة.
ويعد الحجاوي من أكثر الرجال اطلاعاً في المغرب على مدار الثلاثين عاماً الماضية، ومنذ عام 2005 أصبح الرجل الثاني، مع أنه عملياً كان الرجل الأول يوصف "بصندوق أسرار متحرك"، ومن بين هذه الأسرار استخدام بيغاسوس، برنامج التجسس الإسرائيلي الصنع.
ويستعمل طرفي الصراع، الحموشي والمنصوري، كل الأوراق الممكنة ويحركان كل الأحجار بهدف الإطاحة بالأخر وبهدف إخراجه من المشهد، تحضيرا لمرحلة ما بعد الملك محمد السادس، الذي يعد أيامه الأخيرة على رأس العرش العلوي، وهذا الصراع بين الرجلين هو صراع بين أطراف دولية تقف وراء الحموشي والمنصوري. فالأول مدعوم من طرف الكيان الصهيوني وفرنسا، والثاني مدعوم من طرف الإمارات، وهي أطراف تتصارع أيضا حول المنافع الاقتصادية في المغرب.
لكن يجري هذا الصراع غير بعيد عن أعين أشقاء الملك ومستشاره، فؤاد عالي الهمة الذين يسهرون على انتقال سلس للحكم وتثبيت نفوذهم في المرحلة المقبلة، لكن يبقى القرار الأخير وطريقة انتقال السلطة في المغرب لا ترتبط بمن سيفوز في معركة الأجهزة ولا بترتيبات الأسرة الملكية، ولكن أيضا مرتبط بفواعل مؤثرة بشكل متزايد، أصبحت تتحكم في مفاصل الحكم في المغرب، وهي "إسرائيل" وفرنسا والإمارات العربية المتحدة.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال