الوطن

إفلاس باريس في إدارة الأزمة مع الجزائر

لأول مرة تذهب باريس، في أزماتها مع الجزائر، إلى مستوى منع أو تضييق الوصول إلى الحقيبة الدبلوماسية.

  • 4578
  • 3:02 دقيقة
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الصورة: ح.م.
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الصورة: ح.م.

في أعقاب الإجراءات الفرنسية التي قام بها وزير الداخلية، برونو روتايو، أول أمس، المانعة لـ"وصول الأعوان المعتمدين بسفارة الجزائر في فرنسا إلى المناطق المقيدة بالمطارات الباريسية بغية التكفل بالحقائب الدبلوماسية"، وفق بيانات رسمية من الجانبين، تطرح تساؤلات بخصوص ماهية الحقيبة الدبلوماسية واستعمالاتها المحددة في اتفاقية فيينا 1961 للعلاقات الدبلوماسية، الوثيقة المرجعية الدولية، التي خرقتها فرنسا بقرارها الأخير.

ولأول مرة تذهب باريس، في أزماتها مع الجزائر، إلى مستوى منع أو تضييق الوصول إلى الحقيبة الدبلوماسية، بوصفها معاملة تتمتع بالحصانة الدبلوماسية ضد التفتيش أو المصادرة، عملا بالمادة 27 من اتفاقية فيينا الشهيرة. والحقيبة الدبلوماسية، وفق واقع مختصة في العمل الدبلوماسي، تعبير مجازي يشير إلى أي صندوق أو طرد أو حاوية شحن أو أي وعاء آخر يستخدم بواسطة البعثة الدبلوماسية، يحمل عنوانا ولا يجوز تفتيشها عند منافذ الحدود والمنافذ الجمركية، كما لا تجوز مصادرتها.

وليس للحقيبة الدبلوماسية حجم أو وزن أو شكل معين كشرط لتمتعها بالحصانة، وإنما هي محل تعاملات بين الرسميين، وتكون مختومة بختم الجهات الدبلوماسية الوصية. وتنص الاتفاقية على أن الحقيبة الدبلوماسية يجب ألا تستخدم في غير الأغراض الرسمية التي تخدم مهمة البعثة الدبلوماسية. وتدخل الحقيبة، وفق المصادر نفسها، إلى الدولة المضيفة غالبا بصحبة عضو في البعثة الدبلوماسية يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ويسمى حامل الحقيبة الدبلوماسية.

وبالتوقف عند القرار الفرنسي، يتبين أن وزيرها للداخلية، الذي تقع تحت سلطته المطارات، خرق مبدأ دبلوماسيا صار واحدا من الثوابت والبديهيات التي تقوم عليها العلاقات الدولية، وعاد إلى مرحلة تاريخية يطغى عليها الشك والعنف والجوسسة، بدل الدبلوماسية والحوار.

ومن المعروف والمشهود له تاريخيا أن الجزائر حريصة على احترام الإجراءات الدبلوماسية والمواثيق الدولية بمختلف خصائصها، ودائما ما تكون مبعث مبادرات ووساطات السلام، على غرار أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران وإبرام اتفاقيات سلام في إريتريا ومالي وغيرهما، كما لم يسبق لدبلوماسييها أن تورطوا في شبهات على علاقة بالحقيبة الدبلوماسية.

ولم يسلم إجراء الحقيبة الدبلوماسية من التجاوزات ومحاولات استعماله وتوظيفه في غير محله، خصوصا في الدول الغربية، فقد ذكرت العديد من الوقائع، أبرزها في 5 جويلية 1984، عندما تم اختطاف عمر ديكو، وزير النقل النيجيري آنذاك، في المنفى في لندن، حيث تم تخديره ووضعه في صندوق خشبي لنقله جوا إلى نيجيريا كأمتعة دبلوماسية على متن طائرة شحن في مطار ستانستيد بلندن، لكن الشرطة أحبطت عملية الاختطاف، وقد كان في أحد الصندوقين ديكو والآخر بداخله الخاطفون، حيث تفطنت الشرطة للفاعلين بعدما لاحظت أن الحقيبة لم تكن مختومة بختم السفارة النيجيرية كما لم يتمكن المسؤولون عن عملية النقل من تعريف أنفسهم على أنهم مندوبون دبلوماسيون.

وفي عام 1984، تم تهريب مدفع رشاش ستيرلينغ في واحدة من 21 حقيبة دبلوماسية، الذي استخدم لقتل الشرطية يفونه فليتشر من داخل السفارة الليبية في لندن بالمملكة المتحدة.

ومن الوقائع الشهيرة، أيضا، تلك التي حدثت في عام 1964، عندما كان الجاسوس مردخاي لوك (يهودي مغربي)، الذي عمل مخبرا لمصر وربما عمل أيضا لإسرائيل وألمانيا، وفق موقع "ويكيبيديا"، سيُخطف في صندوق أمتعة دبلوماسية باسم السفارة المصرية، غير أن الشرطة في روما فتحتها وأحبطت العملية.

وفي العام 1979، ذكر الموقع المختص في توثيق الأحداث، بشكل مفتوح للجميع وقابل للتعديل، أن الحكومة الكندية أرسلت جوازات سفر كندية ومواد أخرى عبر حقيبة دبلوماسية إلى طهران عاصمة إيران، للمساعدة في تهريب ستة دبلوماسيين أمريكيين، كانوا قد نجوا من القبض عليهم أثناء الاستيلاء على سفارة الولايات المتحدة من قبل المتظاهرين الإيرانيين خلال الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه.

كما حاول الأرجنتينيون خلال حرب الفوكلاند عام 1982 استخدام حقيبة دبلوماسية لتهريب عدة ألغام لامعة إلى سفارتهم في إسبانيا، لاستخدامها في عملية سرية سميت بـ"ألجيسيراس" (الجزيرة الخضراء)، بهدف تفجير سفينة حربية بريطانية في حوض بناء السفن التابع للبحرية الملكية في جبل طارق، وتم الكشف عن المؤامرة وأوقفتها الشرطة الإسبانية قبل وضع المتفجرات.