يسافر "فلاش باك" في عدد جديد إلى ماض غير بعيد، ليحطّ رحاله عند فصلٍ مثير من فصول الصراع السياسي المحتدم في قمة هرم السلطة، بين الرجل الأول في الدولة وخصمه الأقرب داخل الدائرة الحاكمة.
عندما تسلَم عبد العزيز بوتفليقة الحكم في الجزائر عام 1999، وجد على رأس مجلس الأمة وجها معروفا لديه عزَ المعرفة: بشير بومعزة وما يحمله من رمزية تاريخية خصوصا في فترة الحركة الوطنية. كان بومعزة مطلعا أيضا على كل صغيرة وكبيرة عن وزير خارجية الرئيس هواري بومدين.
بوتفليقة كان واعيا تماما أن بومعزة متحفظ على التسوية التي تمت بينه وبين قادة الجيش، بخصوص انتقال الحكم من اليمين زروال إليه، لذلك فـ"المساكنة السياسية" بينهما ستصبح معقَدة في أفضل السيناريوهات، وفي أسوأها كان الصدام العنيف متوقع بينهما.
بين الرجلين حساسية متجذرة، تعود إلى مرحلة الثورة. "عبد القادر المالي" كان صغيرا في عين بومعزة، على هذا الأساس وضعه بوتفليقة ضمن دائرة أولوياته من أول يوم جلس فيه على كرسي قصر المرادية. بكلام آخر، توفرت توابل صدام بينهما حتى قبل أن يلتقيا كأول وثاني مسؤول في البلاد.
ظل بوتفليقة يتحيَن الفرص للتخلص من بومعزة، إلى أن جاء موعد التجديد النصفي لمجلس الأمة عام 2001. فحسب الدستور تمتد عهدة رئيس المجلس لست سنوات، أما تجديد نصف أعضائه يتم كل ثلاث سنوات.
رفض بومعزة الرحيل متحديا بوتفليقة ومناوراته، مستندا إلى رأي للمجلس الدستوري من حقه الاستمرار في منصبه.
متسلحا بهذه الفتوى القانونية، اعتقد بومعزة أنه حشر خصمه في زاوية ضيقة في حلبة الصراع بينهما، وأنه وجه له لكمة أضعفته سياسيا. غير أنه لم يحسب حسابا لعناده. حرَك بوتفليقة أنصاره في مجلس الأمة لسحب الثقة من بومعزة، وخطط لإهانته في رَد بدا وكأنه "صاع بصاعين".
وفي النهاية نال بوتفليقة ما أراد، وحقق الجزء الأخير من خطته بإسناد رئاسة مجلس الأمة إلى رمز من رموز النظام الواحد: محمد الشريف مساعدية. غير أن الحادثة لم تمرّ دون أعراض جانبية، إذ تركت بصماتها على صورة الدستور وسمعة هيئات الدولة العليا.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال