استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أول أمس، بمقر رئاسة الجمهورية، أسقف الجزائر، الكاردينال جون بول فيسكو، بحضور مدير ديوان رئاسة الجمهورية بوعلام بوعلام ووزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، في لقاء يندرج في سياق العلاقات الثنائية بين الجزائر والفاتيكان.
يحمل الاستقبال عدة دلالات، حيث يكتسي حضور الكاردينال جون بول فيسكو، الذي يعيش في الجزائر منذ ما يقرب من 25 سنة، ووافق رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على منحه الجنسية الجزائرية سنة 2023، بعد طلب مسبق تقدم به، ليصبح رسميا مواطنا جزائريا بالإضافة إلى جنسيته الفرنسية، يكتسي بُعدا رمزيا خاصا، خاصة بعد تعيينه رئيسا جديدا لأساقفة الجزائر في ديسمبر 2021، ثم كادرينالا يوم 13 ديسمبر 2024، الذي عدّه في حوار حصري لجريدة "الخبر" في نوفمبر 2024 بمثابة "رسالة سلام إلى دولة الجزائر ورسالة تحمل العديد من المعاني السامية".
ويأتي اللقاء في مرحلة حرجة تعرف فيها العلاقات بين الجزائر وباريس توترا كبيرا وفي ظل قطيعة دبلوماسية غير مسبوقة، حيث سعى الكاردينال جون بول فيسكو إلى أن يكون حاضرا من خلال مشاركاته في وسائل الإعلام الفرنسية، من أجل عودة العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين، موجّها انتقادات شديدة اللهجة إلى بعض الساسة الفرنسيين بسبب "التصريحات المتطرفة التي أدلوا بها ضد الجزائر".
وقد وصف الكاردينال فيسكو، في حوار لصحيفة "لاكروا" الفرنسية أواخر مارس الماضي، موقف فرنسا بأنه "مهين وغير عادل.. وأحيا جرحا في النفس الجزائرية لا يمكن قياس عمقه سوى على مدى حياة مشتركة طويلة الأمد"، منتقدا تصريحات وزير الداخلية برونو روتايو بقوله: "ما يزعجني في تصريحات وزير الداخلية الفرنسي هو النبرة التهديدية التي تأتي في شكل أوامر للسلطات الجزائرية، في حين أن الجزائر لا تستسلم أبدا لهذا النوع من الخطاب، خاصة القادم من فرنسا". وأضاف: "في الجزائر كل شيء مبني على علاقة الثقة، وهذه الثقة تمت خيانتها بتغيير الموقف الفرنسي بشأن قضية الصحراء الغربية ذات الرمزية العالية"، معتبرا أن "هذه لا تزال نقطة البداية للأزمة الحالية".
ودعا فيسكو إلى تجنّب ما أسماه "الطلاق الانتحاري" بين الجزائر وفرنسا، مشيرا إلى أن القطيعة لن تقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط، بل ستتجلى في شرخ صامت داخل المجتمع الفرنسي، خاصة بين ملايين المسلمين وبين بلدهم الذي يعيشون فيه.
ومع تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين العاصمتين، انخرط كاردينال الجزائر جون بول فيسكو في مبادرة مشتركة رفقة عميد مسجد باريس الكبير، الأستاذ شمس الدين حفيز، حيث وجّها نداء مشتركا، حمل عنوان "الأخوّة هي السبيل الوحيد لرسم مستقبل متضامن بين الجزائر وفرنسا"، نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، ودعيا إلى تغليب صوت العقل والحكمة بين فرنسا والجزائر وتجنّب التصعيد السياسي، وحثّا صناع القرار في البلدين على الاستفادة من "إرث ديني مشترك ساهمت في تكريسه شخصيات تاريخية قدمت نماذج في الانفتاح"، كالأمير عبد القادر الجزائري والقديس أوغيسطين الذي عاش في منطقة سوق أهراس شرقي الجزائر.
وعبر حفيز وفيسكو عن رفضهما أن تتحول الأزمة بين الجزائر وفرنسا إلى صراع دائم، ودعيا إلى العودة إلى مسار الحوار، حسب النداء الذي اعتبر أن العلاقات بين البلدين "تمر بمرحلة تأزم خطير، لكن هذه الأزمة لا يجب أن تطغى على الروابط التاريخية والإنسانية العميقة بين الشعبين"، مؤكدين أن "الخلافات بين الدول لا ينبغي أن تنعكس على حياة الشعوب" وأن "الهوية ليست شيئا جامدا، بل واقع حي يتطور بالحوار والانفتاح".
ولحل الأزمة المفتعلة من الجانب الفرنسي، يشدّد فيسكو على ضرورة البحث عن جذور المشكلة في وقت أبعد من ذلك بكثير، في الماضي الاستعماري غير المتصالح، الذي يعتبره مصدر كل الأزمات بين الجزائر وفرنسا، محمّلا أسباب هذه التوترات إلى باريس، وهذا عندما قال: "لم يكن هناك وعي بالعواقب المدمرة التي ترتبت عن الاستعمار على السكان، من جيل إلى جيل. ومنذ ذلك الوقت، ظلت العلاقات الفرنسية - الجزائرية متعثرة لمدة ستين عاما، تنتقل من أزمة إلى أخرى ومن محاولة مصالحة إلى أخرى".
عبد الحكيم ڤماز
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال