الوطن

"نحن في الجزائر لدعم اعتراف فرنسي صريح بمجازر 8 ماي"

في هذا الحوار مع "الخبر" الذي أجري عشية وصولها للجزائر، أكدت البرلمانية فرونكو – جزائرية، صبرينة صبايحي أن زيارة الوفد الفرنسي تهدف أيضا إيجاد جسور للتواصل في إطار الدبلوماسية البرلمانية في ظل مناخ الأزمة الحالي بين البلدين.

  • 4955
  • 3:58 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

حاورها: محمد سيدمو

تستضيف الجزائر وفدا من 30 نائباً وسيناتوراً ومنتخبا محليا فرنسيا، وذلك بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة المصادف الذكرى الـ80 للمجازر التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي يوم 8 ماي 1945. تأتي هذه المبادرة في سياق شديد التأزم بين البلدين، وهو ما يجعلها نافذة جديدة لاستعادة التواصل على الأقل على المستوى البرلماني.

وفي هذا الحوار مع "الخبر" الذي أجري عشية وصولها للجزائر، أكدت البرلمانية صبرينة صبايحي أن زيارة الوفد الفرنسي تهدف إلى دعم اعتراف واضح وصريح من قبل السلطات الفرنسية بمجازر 8 ماي 1945، كما أنها تحاول إيجاد جسور للتواصل في إطار الدبلوماسية البرلمانية في ظل مناخ الأزمة الحالي بين البلدين.

وأكدت سليلة منطقة سطيف أنها اتخذت من قضية الاعتراف بمسؤولية فرنسا بمجازر 8 ماي أولوية عهدتها النيابية، بعد أن اكتشفت حجم الجريمة المروعة التي ظلت مخفية عن الرأي العام ومعتما عليها في المناهج المدرسية، إذ يصور دائما يوم 8 ماي على أنه موعد فرنسا مع قدرها في النصر، بينما الحقيقة أنه كان فصلا مأساويا في تاريخها الاستعماري بالجزائر.

تزورين الجزائر رفقة وفد هام من المنتخبين الفرنسيين بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 ماي. ما هو هدف هذه الزيارة؟

يجب أن تشكل هذه الزيارة إلى الجزائر خطوة هامة في المسار الطويل لاعتراف فرنسا بمسؤوليتها عن الجرائم الاستعمارية المرتكبة خلال فترة الهيمنة الاستعمارية. من الضروري بشكل خاص أن تتيح التقدم نحو اعتراف واضح لا لبس فيه بما حدث في سطيف وقالمة وخراطة في 8 ماي 1945. في ذلك اليوم، بينما كانت أوروبا تحتفل بنهاية الحرب العالمية الثانية، قمع دموي نزل على السكان المدنيين الجزائريين الذين كانوا يطالبون بحقوقهم سلمياً. يجب اعتبار هذه الأحداث التي خلفت آلاف القتلى، أنها كانت في حقيقتها "جريمة دولة". لقد آن الأوان لكي تتحمل فرنسا هذا الجزء المظلم من تاريخها، ليس بدافع الشعور بالذنب، بل بدافع واجب الحقيقة والعدالة.

هل برمجتم لقاءات مع مسؤولين جزائريين؟ وهل يحمل وفدكم مبادرة لتهدئة التوترات الحالية بين باريس والجزائر؟

نعم، من المقرّر عقد لقاءات مع نظرائنا من البرلمان الجزائري، ومن خلال هذا الوفد، نرغب في إرسال رسالة قوية حتى عندما تبدو العلاقات بين الحكومتين متوترة أو مجمدة، فإن الدبلوماسية البرلمانية تظل حيّة وتؤدي دوراً جوهرياً. من المهم إعادة خلق الروابط واستئناف الحوار وبناء جسور جديدة بين برلمانيينا. هذه الخطوة تهدف إلى تهدئة التوترات واستعادة الثقة وفتح فضاء جديد للنقاش بين ممثلي الشعبين الفرنسي والجزائري.

ماذا تمثّل لكم ذكرى مجازر 8 ماي 1945؟ ولماذا جعلتموها من أولويات عهدتكم البرلمانية؟

اكتشفت تاريخ 8 ماي 1945 في وقت متأخر نسبياً، لأنه لم يكن جزءاً من التاريخ الذي تعلّمناه في المدرسة، والذي كان يركّز حصرياً على تحرير فرنسا. غير أن هذا اليوم يحمل دلالة مختلفة تماماً للعديد من العائلات المنحدرة من الهجرة الجزائرية، ومن بينها عائلتي. إنه في الواقع يُمثّل ما يمكن اعتباره البداية الحقيقية لحرب الجزائر. ففي ذلك اليوم، في سطيف وقالمة وخراطة، ارتُكب قمع استعماري عنيف جداً أودى بحياة آلاف المدنيين الجزائريين. هذه الجريمة التي طالما تم التعتيم عليها، ما زالت إلى اليوم مجهولة إلى حد كبير لدى الرأي العام. وانطلاقاً من أن والديّ من سطيف، فإن لهذه الذاكرة بعداً شخصياً وحميماً بالنسبة لي. ولهذا السبب اخترت أن أجعل من هذا الملف أولوية في ولايتي البرلمانية، من أجل قول الحقيقة وتقاسم الذاكرة وتحقيق العدالة أخيراً لأولئك الذين طالما تم إنكار تاريخهم.

من خلال أبحاثكم وعملكم على هذا الملف، هل اكتشفتم معلومات جديدة حول مجريات المجازر أو المسؤوليات آنذاك؟

نعم، لقد سمح لي العمل البحثي وجلسات الاستماع باكتشاف العديد من العناصر التي لا تزال مجهولة جداً لدى الجمهور الواسع، فمن خلال الاستماع إلى المؤرخين وأحفاد الضحايا، ومن خلال الاطلاع على وثائق الأرشيف، تمكّنت من إعادة بناء واقع قاتم للغاية، خاصة في قالمة، حيث تم تسليح ميليشيات مدنية ومنحها حرية التصرف دون عقاب. هذه الميليشيات نفّذت عمليات إعدام فوري وقامت بإطلاق النار على أشخاص دون محاكمة. كما أشارت شهادات إلى وجود أفران استُخدمت لإخفاء الجثث، وهو ما يعكس مدى اتساع ووحشية الجرائم المرتكبة. لقد تم التساهل مع هذه الفظائع، بل وتم تشجيعها أحياناً من قبل السلطات الفرنسية في ذلك الوقت، بمباركة أو حتى بتواطؤ نشِط من الجيش الاستعماري. إنها حقائق يصعب سماعها، لكنها ضرورية من أجل إنصاف ذاكرة الضحايا.

تمّ مؤخراً إيداع مشروع قرار في الجمعية الوطنية من طرف نواب عن "فرنسا الأبية"، يهدف إلى الاعتراف بمسؤولية فرنسا في هذه الأحداث. هل تعتقدون أن لهذه المبادرة فرصة للنجاح؟

في ظل السياق السياسي الحالي الذي يتميّز بتوترات مستمرة بين باريس والجزائر، يبدو من غير الواقعي أن نعتقد أن مبادرة كهذه يمكن أن تنجح بسرعة. فكل تقدّم سواء على الصعيد الرمزي أو التشريعي، يبدو اليوم مهدّداً. ومع ذلك، لا ينبغي أن يدفعنا هذا إلى الاستسلام. من الضروري مواصلة العمل التربوي والتوعوي والإقناعي حول هذه القضايا، فالاعتراف بالجرائم الاستعمارية جزء من مسار طويل وشاق، يتطلب شجاعة سياسية وإرادة جماعية لمواجهة تاريخنا. فقط بهذا الثمن يمكننا أن نطوي هذه الصفحة المظلمة بهدوء ونبني مستقبلاً مشتركاً على أسس من الحقيقة والعدالة.