الوطن

"ندعم حلا سياسيا يضمن حق تقرير المصير في الصحراء الغربية"

يتحدث أيضا السفير البريطاني لدى الجزائر، جيمس داونر، في هذا الحوار مع "الخبر" بصدر رحب عن واقع العلاقات الثنائية مع الجزائر التي تشهد، حسبه، ديناميكية دبلوماسية وثقافية لافتة.

  • 2601
  • 7:52 دقيقة
السفير البريطاني، جيمس داونر، الصورة: السفارة البريطانية.
السفير البريطاني، جيمس داونر، الصورة: السفارة البريطانية.

حاوره: سيدمو

في مكتبه ذي الديكور الخشبي العتيق والإطلالة الساحرة على خليج الجزائر ومينائها، يتحدث السفير البريطاني، جيمس داونر، في هذا الحوار مع "الخبر" بصدر رحب عن واقع العلاقات الثنائية التي تشهد، حسبه، ديناميكية دبلوماسية وثقافية لافتة. يؤكد السفير الذي وصل الجزائر قبل سنة، أن إمكانات التعاون بين البلدين كبيرة في مجالات الأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية ودعم التبادل التجاري. ويبدي شغفا خاصا بدعم جهود انتشار الإنجليزية في الجزائر، في ظل الإقبال الكبير من كل الفئات على تعلمها. السفير الذي زار مرتفعات جرجرة قبل أيام وعاد من رحلة يصفها بالرائعة لتمنراست، يبدي إعجابه الكبير بما تختزنه الجزائر من إمكانات طبيعة، لكنه يعتقد أن هذا "الجمال" لا يصل إلى البريطانيين بالقدر الكافي، ما يستدعي، حسبه، مزيدا من الترويج للوجهة السياحية الجزائرية، الكثير من الأسئلة والإجابات في هذا اللقاء الخاص.

تشهد العلاقات الجزائرية البريطانية حركية في السنوات الأخيرة، سواء عبر الزيارات رفيعة المستوى أو التعاون داخل مجلس الأمن أو الشراكات الاستراتيجية. كيف تقيّمون هذه الديناميكية وما هي الأولويات التي يجب التركيز عليها خلال الأشهر المقبلة؟

تشهد العلاقات الجزائرية البريطانية ديناميكية حقيقية تعكسها الزيارات الرفيعة المستوى، من بينها زيارة المدير العام للأمن الوطني إلى لندن وتوقيع إجراء تبادل البيانات البيومترية (TOP) الذي يسهّل ترحيل الجزائريين الذين لا يملكون حق البقاء في المملكة المتحدة بعد انتهاء عقوباتهم. كما تعزّز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية وشبكات الجريمة والاتجار، إلى جانب تنسيق قوي داخل مجلس الأمن. خلال المرحلة المقبلة، ترتكز الأولويات على تعميق العلاقات الاقتصادية وإزالة الحواجز التجارية وتوسيع الروابط بين الشعوب وتعزيز الحوار السياسي والتعاون في مجال التعليم.

في ظل التحديات الأمنية في منطقة الساحل، خصوصًا في مالي، وكذلك الوضع في ليبيا، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر لتعزيز الاستقرار في المنطقة؟ وكيف تدعم المملكة المتحدة هذه الجهود بشكل عملي؟

تتشارك المملكة المتحدة مع الجزائر القلق بشأن توسّع تنظيمي داعش والقاعدة في منطقة الساحل، لا سيما مع التطوّر الملحوظ في أساليب الجماعات الإرهابية، مثل حصار الوقود في مالي. وترى لندن أن التعاون السياسي والأمني الإقليمي ضروري للغاية، وترحّب بالحوار بين الإيكواس ودول "التحالف من أجل الساحل"، كما تثمّن دعم الجزائر لمالي وتشجيعها على العودة إلى حوار شامل، وتعتقد المملكة المتحدة أن الاستقرار الدائم يتطلب معالجة قضايا الحوكمة والفقر والمعلومات المضللة والحيز المدني والمناخ، وهي تظل ملتزمة بدعم المبادرات الأمنية بقيادة إفريقية، مع التأكيد على التأثير المزعزع للمليشيات المدعومة خارجيًا في المنطقة.

ترك "وعد بلفور" الذي أنشئت بموجبه "إسرائيل" على أراضٍ صودرت من الفلسطينيين، جرحا تاريخيا عميقا في المنطقة العربية. كيف ترى المملكة المتحدة مسؤوليتها التاريخية، خاصة في ظل الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون بعد انتهاء الحرب؟

تؤكد المملكة المتحدة دعمها الثابت لحل الدولتين، وتعمل دبلوماسيًا وعمليًا لدعم المجتمعات الفلسطينية المعرّضة للتهديد. كما تدعم تنفيذ الخطة ذات النقاط العشرين التي تم تبنيها في الأمم المتحدة، وتشير إلى أن الأولويات الحالية تتمثل في تثبيت وقف إطلاق النار وضمان الوصول الإنساني وإعادة الإعمار وإحياء الأفق السياسي.

بخصوص قضية الصحراء الغربية، اتخذ مجلس الأمن مؤخرًا قرارا اختلفت الآراء حول تفسيره. ما هو موقف المملكة المتحدة؟ وهل ما يزال خيار تقرير المصير عبر استفتاء مطروحًا في التزاماتكم الدولية؟

ترحّب المملكة المتحدة بقرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي جدّد ولاية المينورسو، وتؤكد دعمها لحل سياسي عادل ودائم يضمن حق تقرير المصير. كما تشيد بلادي بجهود المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا، وتدعو جميع الأطراف إلى المشاركة في العملية بحسن نية. وبخصوص الاستفتاء، ترى المملكة المتحدة أن آلية تقرير المصير ينبغي أن تكون محل اتفاق في إطار المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة.

تعمل الجزائر على استرجاع الأموال العامة التي نُقلت إلى الخارج بطرق غير قانونية. هل توجد أصول أو أموال معروفة داخل المملكة المتحدة؟ وما نوع التعاون القانوني والقضائي الذي يمكن أن يقدمه البريطانيون لتسهيل استرجاع هذه الأموال؟

لا أعتقد أن المملكة المتحدة كانت وجهة مفضّلة لهذه الأموال. ومع ذلك، تؤكد المملكة المتحدة توفر قنوات للتعاون القانوني المتبادل بما في ذلك آليات استرجاع الأصول، حيث يُعالج التعاون حالة بحالة عبر طلبات قضائية وأوامر التجميد. نؤكد ضرورة اعتماد الجزائر على وكلائها القضائيين وعلى السلطات البريطانية ضمن إجراءات التعاون القضائي الدولي (MLA) المعيارية، مع الاستعداد للتعاون كلما توفرت الأدلة والطلبات الرسمية.

كيف تقيّمون واقع التبادلات الاقتصادية والتجارية الحالية بين الجزائر والمملكة المتحدة؟ وما هي الفرص المتاحة على المدى القريب والمتوسط؟

بلغ حجم التجارة الثنائية 2.6 مليار جنيه إسترليني حتى الربع الثاني من عام 2025، مع ارتفاع الصادرات البريطانية بأكثر من 15%. ترى المملكة المتحدة أن تسهيل التجارة من شأنه زيادة التدفقات في الاتجاهين. نشير هنا إلى إعلان رئيس الوزراء، خلال قمة مجموعة العشرين، عن صفقة جوية بقيمة 370 مليون جنيه إسترليني مع الجزائر، حيث ستزوّد شركة "رولز رويس" الخطوط الجوية الجزائرية بمحركات جديدة. نحن نرى أن نقاط القوة البريطانية تتماشى مع أهداف الجزائر في تنويع اقتصادها، خاصة في مجالات المالية والخدمات المهنية والتكنولوجيا والطاقة النظيفة والصناعات المتقدمة وعلوم الحياة والصناعات الإبداعية. وعلى المدى القريب، تبرز فرص في مجالات التكنولوجيا والاستشارات المتعلقة بالطاقة النظيفة.

هل أثّر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) على طبيعة العلاقات التجارية مع دول مثل الجزائر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي التغييرات؟ وما الإجراءات المتخذة للحفاظ على هذه العلاقات أو تعزيزها؟

أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى تغيير الإطار التجاري الذي تعمل ضمنه لندن، لكنه لم يُغيّر اهتمامها بالعلاقات مع الجزائر. فاليوم تتمتع المملكة المتحدة بمرونة أكبر في مجال الدبلوماسية التجارية الثنائية، بما يتيح لها تطوير علاقات مباشرة أكثر فاعلية مع الشركاء، ومن بينهم الجزائر. الجهود الحالية كما قلت تندرج في إطار الحفاظ على هذا التعاون وتعزيزه عبر تكييف السياسات التجارية وتطوير آليات أكثر مرونة للتعامل الاقتصادي المشترك.

كيف تقيّمون دور الشركات البريطانية العاملة في مجال الطاقة في الجزائر، سواء في قطاع المحروقات أو في مشاريع الطاقات المتجددة؟

للشركات البريطانية حضور طويل في قطاع المحروقات والخدمات المرتبطة به. وتعد المملكة المتحدة من الدول الرائدة عالميًا في مجال الطاقة النظيفة، وتمتلك خبرة واسعة في الطاقات المتجددة والطاقة النووية واحتجاز الكربون وإصلاح الشبكات. لدينا مؤسسات بريطانية مثل Great British Energy والصندوق الوطني للثروة وUKEF تدعم شراكات التحوّل الطاقوي مع الجزائر.

هل أنتم راضون عموما عن وجود الشركات البريطانية في الجزائر، خصوصًا خارج قطاع المحروقات؟ وهل سهّل قانون الاستثمار الجديد دخول المستثمرين البريطانيين؟

لا شك أن الشركات البريطانية تعبّر عن رغبة متزايدة في توسيع حضورها في السوق الجزائرية، خصوصًا في مجالات الطاقة، التعليم والتكنولوجيا. وتُجمع هذه الشركات على أن الشفافية وقابلية التوقع (الاستقرار التشريعي) من العوامل الأساسية التي تشجّع أي مستثمر على دخول سوق جديدة، وهو ما يجعل الإصلاحات التي باشرتها الجزائر لتحسين مناخ الأعمال موضع ترحيب.

كما تعلمون تقدم المملكة المتحدة عرضًا اقتصاديًا وخدميًا قويًا يشمل قطاعات المالية، والاستشارات القانونية والتكنولوجيا والصناعات التحويلية وعلوم الحياة والصناعات الإبداعية، وهي مجالات ترى فيها الشركات البريطانية فرصًا واعدة، كما تساعد أدوات الدعم البريطانية، مثل UKEF وOfI وخدمات التجارة، المستثمرين على التعامل مع القوانين الجزائرية بشكل أفضل وتعزيز فرص دخولهم للسوق.

تشهد الجزائر اهتماما متزايدا بالإنجليزية كلغة أجنبية أولى، ما هو أفضل نهج في رأيكم لدعم تعليمها وتوسيع انتشارها؟

نحن نلاحظ باهتمام أن الطلب على اللغة الإنجليزية في الجزائر يسجل ارتفاعًا مستمرًا عبر مختلف القطاعات، باعتبارها وسيلة تفتح آفاقًا أكاديمية ومهنية واسعة أمام الشباب. تؤكد المملكة المتحدة استعدادها لتعميق التعاون في مجال التعليم العالي، في إطار مقاربة تستند إلى دعم تكوين المعلّمين وتطوير الشراكات الجامعية، بما ينسجم مع الأولويات الجزائرية في هذا المجال.

يبقى الولوج إلى تعليم الإنجليزية غير متكافئ، وأحيانا مكلفا بالنسبة للجزائريين. ما هي المبادرات التي يمكن أن تقترحها المملكة المتحدة لتعميم هذه اللغة؟

منذ سنة 2022، يعمل المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع وزارة التربية على تدريب آلاف المعلمين الجدد، وقد استفاد أكثر من 3,000 معلّم من هذه البرامج حتى الآن، مع استمرار توسيع عمليات التكوين.

وخلال هذا العام، سيشمل التدريب نحو 1,000 معلّم إضافي و90 مفتشًا، وهو ما يغطي أكثر من 60 بالمئة من مفتشي الطور الابتدائي في الجزائر. وبين أفريل وسبتمبر 2025، سجّلت المنصات التعليمية التابعة للمجلس أكثر من 8,363 زيارة لموقع TeachingEnglish و14,444 مشاهدة للفعاليات و1,214 تسجيلًا في الدورات، كما يوفر المجلس مكتبة رقمية غنية بعشرات آلاف المصادر المجانية، إلى جانب المشاركة السنوية للوفود الوزارية الجزائرية في منتدى التعليم العالمي في لندن. يدعم المجلس الثقافي جهود الجزائر في تدويل التعليم العالي، من خلال نشر تقرير حول التعليم العابر للحدود، في وقت ستستفيد جامعتي London Metropolitan وAston من صندوق GREAT للعمل مع مدرسة القليعة والمدرسة العليا بجامعة الأغواط لتطوير مسارات جديدة.

أود أن أشير هنا إلى أن منصة TeachingEnglish.org.uk تشكّل مصدرا أساسيا للمدرّسين، إضافة إلى المكتبة الرقمية المتاحة مجانًا داخل الجزائر، مع إمكانية منح الجامعات وصولًا موسّعًا عند الطلب.

تساهم الجالية الجزائرية في بريطانيا في عدة مجالات، هل يمكن تقديم لمحة عن هذا الدور والإشارة إلى إمكانات التعاون؟

تسعى المملكة المتحدة إلى تعزيز تواصلها مع الجالية الجزائرية وإشراك خبراتها في مشاريع يمكن أن تعود بالفائدة على الجزائر. أود أن ألفت هنا إلى التمثيل القوي للجزائريين في القطاع الصحي، ما يعكس قيمة هذه الجالية وإمكاناتها.

تبقى صعوبة الحصول على التأشيرة عائقًا أمام التبادلات الثقافية والأكاديمية والاقتصادية بين البلدين. ما هي السبل الممكنة في نظركم لتسهيل السفر؟

تشير الأرقام إلى أن حوالي نصف طلبات التأشيرة المقدمة من الجزائر قد حظيت بالموافقة سنة 2025، مع تسجيل معدلات قبول مرتفعة في فئات الدراسة ولمّ الشمل والعمل. وتدعو السلطات البريطانية المتقدمين إلى متابعة صفحتها الرسمية على فيسبوك أو زيارة الموقع الحكومي gov.uk للحصول على المعلومات والتحديثات المتعلقة بإجراءات الملفات.

خلال الهجوم بالسلاح الأبيض في أحد القطارات في لندن، أنقذ مواطن جزائري عدة أرواح. كيف تابعتم هذا العمل البطولي؟

قام المواطن سمير زيتوني بعمل بطولي استثنائي يجسد قيم الشجاعة والتضامن المدني. يعكس هذا السلوك الإيجابي في نظرنا، الدور المشرّف الذي يضطلع به المواطنون الجزائريون في المملكة المتحدة، بما يعزز رؤيتنا المشتركة حول القيم الإنسانية التي تجمع بين الشعبين.

تعمل الجزائر على تطوير قطاع السياحة. هل توجد مبادرات ثنائية لتشجيع السياح البريطانيين على زيارة بلدنا؟

نعتقد في المملكة المتحدة أن وجهة الجزائر ما تزال غير مروّجة بالشكل الكافي داخل السوق البريطانية، رغم ما تملكه من إمكانات كبيرة في مجال السياحة الثقافية والصحراوية والتراثية. هذه الفرص اكتشفتها بنفسي خلال الزيارات الميدانية الأخيرة، على غرار الجولة التي شملت تمنراست، والتي أبرزت مدى تنوع المقومات السياحية الجزائرية وإمكانات تطويرها بشكل أكبر.