38serv

+ -

من الحكمة أن ننير الرأي العام حول حيثيات المشروع الإيديولوجي الذي تبنّته بالشراكة الحركة الدينية وقدماء حركة البعث الجزائريين: استبدال الفرنسية بالإنجليزية. إن الرفض الفصامي للّغة الفرنسية (في واقع الأمر، هؤلاء يخصّصون اللغة الفرنسية لأبنائهم دون سواهم)، وبصفة أدقّ كراهية الفرانكوفوني الجزائري- بالإضافة إلى تهميش اللغة الأمازيغية- يشكلان القاسمين المشتركين اللّذين يؤكدان التقارب الإيديولوجي لهذين التيّارين السياسيين. ألم يشكلوا جبهة مشتركة حاليا في العراق؟ ولأي سبب يقدّم هؤلاء العشّاق الشواذ للإنجليزية (هم يجهلون كل ما يتعلق بالمملكة المتحدة) مطالبهم بكل هذه الشراسة؟ لأسباب نذلة وخطيرة في نفس الوقت.2002/2003، جاء الإصلاح في خضم السلم المستعاد. كان المواطنون المهتمون بالمصير الدراسي لأبنائهم ينتظرون بروز نقاشات عميقة حول المدرسة الجزائرية تحمل أفكارا مبدعة وإجراءات قادرة على إنقاذها. وفي جويلية 2014 وجويلية 2015، مكّنت الندوتين الوطنيتين لتقييم المدرسة الجزائرية من توضيح المرامي وتحديد التحديات. نستطيع تلخيصها في هذا المبدأ الرئيسي: ‘’التشدد في احترام الضوابط والمعايير العالمية لتأمين مدرسة ذات نوعية لأبنائنا’’. باختصار عصرنة تنظيم وتسيير نظامنا المدرسي المتآكل من جرّاء التقادم الإيديولوجي، البيداغوجي والإداري. ودافع معارضو توصيات الندوتين الوطنيتين لتقييم المدرسة الجزائرية، الإبقاء على الوضع على ما هو عليه، كما ضاعفوا من شراستهم كونهم يفتقدون للمبررات الموضوعية المقنعة، والدليل مزدوج، لقد تمّ الإيقاع بهم بعد كذبتهم المتعلقة بالبرامج المدرسية وضبطوا متلبّسين بالنفاق (الفرنسية لأبنائهم والانجليزية المغشوشة للآخرين). وإذا ما تمّ إحراجهم، تجدهم يستنجدون خلف السلاح الوحيد الذي يجيدون استعماله: التهجّم الشخصي، القذف والمساس بكرامة الشخص الذي لا يبادلهم نفس الفكرة. إنهم يملكون الوسائل الإعلامية لاقتراف هذه الجرائم وأموال طائلة للدفاع على أنفسهم أمام المحاكم وحتى لشراء الذّمم، أليسوا مصرّين على رفض النقاش الإعلامي في هدوء وفي ظل احترام الرأي الآخر؟لنفترض أن تحلّ اللغة الانجليزية محلّ اللغة الفرنسية منذ الطور الابتدائي. فبعدها مباشرة، ستجد المدرسة الجزائرية نفسها أمام نتيجتين سلبيتين سبق لها وأن تكبّدتهما: الاستنجاد بالمتعاونين الأجانب لتدريس اللغة الانجليزية ورسكلة الآلاف من أساتذة اللغة الفرنسية إلى اختصاصات أخرى كونهم سيشكّلون فائضا كبيرا. إن مثل هذه الحلول نعرفها مسبقا.بالنسبة للمتعاونين الناطقين بالإنجليزية: خلال الحملة التشريعية لسنة 1991، صرّح محند السعيد -الذي اغتيل من طرف رفاقه سنة 1996- على شاشة التلفزيون ‘’يستطيع الفرانكوفونيون مغادرة التراب الوطني. سنستقبل بواخر من الإطارات القادمة من إيران ومن السودان’’. أما خلفه في سنة 2016، فهم يقترحون استقدام المتعاونين من بلدان الخليج أو من مصر. نسخة جديدة لمسلسل سنوات 1960 حينما سوّق لنا جمال عبد الناصر العاطلين عن العمل في مصر ومعارضيه السياسيين، لاسيما الإخوان المسلمين. إن ذكريات تلك الحقبة لا تزال قوية ولا تزال آثارها حية على جدران مدارسنا.بالنسبة لفائض أساتذة اللغة الفرنسية: سبق لمسيّري الحزب الواحد تسيير مثل هذا الإشكال. ففي لمح البصر، أجبر هؤلاء الأساتذة على التدريس باللّغة العربية دون أي تحضير أو تكوين مسبق ولم يعطوا سوى مهلة ثلاثة أشهر (ما بين 1970 و1980). نستطيع إدراك نتائج انحرافات مثل هذه القرارات الجنونية في المدرسة الجزائرية، ولا زالت هذه القرارات الجنونية تؤثر على مجتمعنا وعلى مؤسسات الدولة. هل في سنة 2016 سنجبر أساتذة اللغة الفرنسية على إعادة التكيّف كأساتذة لغة إنجليزية أو لغة إيطالية أو لغة صينيّة أو لغة عربية؟ ومن يعلم، فبعد بضع سنوات من الجنون الانتحاري، قد يأتي هؤلاء المدافعين الافتراضيين عن اللّغة الانجليزية، وفي نفس الوقت أحاديي اللّغة، يصرخون ويندّدون بمحاولات ‘’أنجلزة البرامج التعليمية’’... حقيقة أم خيال؟   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات