التراث المنسي.. المخطوطات العائدة من باطن الأرض

38serv

+ -

l في يوم من أيام الله في شهر جويلية (تموز) من سنة 2005م، كنت أنا وأخي الأستاذ هاشم الندوي في مهمة لحساب مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي - الذي نعمل فيه معًا - في مدينة حيدر آباد عاصمة ولاية “أندرابرادتش” سابقًا ولاية ‘تيلينغانا’ حاليًا بالهند، حيث كان فريق المركز هناك يقوم بتصوير المخطوطات والوثائق من المكتبات العامة والخاصة في تلك المدينة الزاخرة بالتراث الإسلامي.وكان من العلماء الذين نتعاون معهم ونحرص على علاقتنا بهم والجلوس إليهم في تلك المدينة الشيخ أبو بكر الهاشمي عليه رحمة الله - كبير المحققين بدائرة المعارف العثمانية ونائب رئيس لجنة إحياء المعارف النعمانية - الذي كنا نزوره في بيته دائمًا كلما دخلنا مدينة حيدر آباد، وكنا نجلس إليه نلتقط من كلامه أسماء المكتبات بالهند العامة والخاصة، البائدة والقائمة، ومواقع المخطوطات وأشهر العائلات العلمية، التي لا تزال تحتفظ بذخائر التراث الإسلامي حتى يومنا هذا، وكان رحمه الله قد أذن لنا بتصوير المخطوطات الموجودة بمكتبة عائلته الكريمة ومكتبة لجنة إحياء المعارف النعمانية، التي كانت تزخر بجملة من النوادر وبخاصة في المذهب الحنفي، بعضها مصورات ورقية تم الحصول عليها من مكتبات تركيا ومن بعض الدول الأوربية بوساطة العلامة محمد حميد الله عليه رحمة الله. ومن محاسن الأقدار وفي إحدى زياراتنا له أحضر لنا من بعض جيرانه مخطوطة فريدة بخط مؤلفها وحيدة في العالم، وكانت نسخة جيدة في شكلها ومحتواها، وهي موسومة بـ: “تذكرة أهل الحياة بأحوال أهل الممات” للفجراتي.وفي يوم السبت من شهر تموز (جويلية) سنة 2005م كنا عند الشيخ في بيته، وكنا نتحدث عن الأمطار والسيول التي ضربت مدينة حيدر آباد في سنة 1973م - أي بعد سنتين من وفاة الشيخ أبي الوفاء الأفغاني سنة 1971م - فهدمت البيت الذي كان يسكن فيه الشيخ أبو الوفاء، وهو جزء من بيت عائلة الشيخ أبي بكر، فأعادوا بناءه من جديد بعد وفاة الشيخ أبي الوفاء الأفغاني، وكان لما يكتمل بناؤه بعد حتى تلك الزيارة، وهنا حدثنا الشيخ أبو بكر أن هناك مجموعة من المخطوطات التالفة وغير المكتملة وبقايا مخطوطات دفنت في أرض هذا البيت، فسألته هل من الممكن البحث عنها تحت التراب لعل هناك شيئًا منها قد ينفعنا، ولو كان غير مكتمل، حتى ولو كان وريقات من مخطوط فنصوره، فأجاب يمكنكم فعل هذا لكن ليس اليوم، بل تعالوا غدًا في الصباح - يعني يوم الأحد - وباشروا البحث والتنقيب عن تلك المخطوطات وبقاياها، وأردف قائلًا: ما حصلتم عليه من المخطوطات وبقاياها فهو لكم بأصوله، ولا أريد منها شيئًا، معتقدًا أن ما سنحصل عليه مجموعة أوراق مخطوطات لا أكثر، وهذا إن بقي منها شيء. وفي صباح يوم الأحد - وهو يوم عطلة أسبوعية في الهند - جئنا إلى بيت الشيخ كما اتفقنا معه، وهنا كنا وحيدر آباد على موعد مع التاريخ، حيث شرعنا في عملية الحفر والبحث والتنقيب على الساعة التاسعة صباحًا وتحت بصر الشيخ، فأخرجنا منها كل ما وجدنا فيها من المخطوطات وأوراقها، ثم قمنا بتنظيفها من التراب والغبار وفرزناها فرزًا أوليًا كل ما سهل فرزه منها، حيث تم استخراج 157 مخطوطًا كاملًا مكتملًا سليمًا في مادته العلمية، بالإضافة إلى بقايا مخطوطات متناثرة، ومن بين تلك المخطوطات العائدة من باطن الأرض نوادر وفرائد بالعربية والفارسية، فاندهش الشيخ لما رآه بين يديه من المخطوطات التي لم تكن تخطر بباله.وقد تنوعت تلك المخطوطات بين العلوم الإسلامية وغيرها حتى فن الطبخ، فقد عثرنا على مخطوطة نفيسة منه، أما اللغات التي كتبت بها فهي العربية والفارسية.ولولا لطف الله وعنايته وتوفيقه ما كان لذلك أن يكون، فالحمد لله على ذلك حمدًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. والله ولي التوفيق والسداد.مدير تحرير مجلة ‘آفاق الثّقافة والتّراث’

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات