ربورتاجات

منتزه سياحي جديد للعاصمة اسمه الاستقلال

مسلك سياحي لبعث الروح في المعالم التاريخية والثقافية والفنية للعاصمة، كما أنه يربط مقام الشهيد بالبحر.

  • 5786
  • 6:48 دقيقة
الصورة: م.ح
الصورة: م.ح

الأجواء الآخذة في التشكل في محيط معلم مقام الشهيد تشير إلى قرب موعد ميلاد مسار سياحي جديد، يربط المعلم التاريخي بمنتزه الصابلات مرورا بعدد من المعالم التاريخية كـ(فيلا عبد اللطيف، المتحف الوطني للفنون الجميلة، مغارة سرفنتيس...) وصولا إلى حديقة التجارب والمكتبة الوطنية بالحامة ويكتمل المسار بجسر يربط كل هذه المعالم بفضاء الصابلات، في مسعى مصالحة مدينة الجزائر مع البحر. وينظر مهندسون لهذا المسار على أنه قادر على إعطاء هوية وروح للمعالم التاريخية والثقافية والفنية، ويمنحها قيمة مضافة بعدما ظلت منسية، ويعيد الحياة لهذه الوجهة من المدينة.

الزائر للمعلم التاريخي مقام الشهيد المطل على أحياء بلوزداد والحامة وحسين داي، يقف على جزء هام من محيط المعلم التاريخي في اتجاه المنحدر المؤدي إلى بلدية بلوزداد قد تم تسييجه، وتتولى عناصر من ثكنة للجيش الوطني الشعبي الواقعة قبالة المعلم حراسته. وعلى المدخل الرئيسي للورشة التي تتواصل بها أشغال إنجاز مشروع منتزه الاستقلال، تم تثبيت لافتة كبيرة كتب عليها "أشغال تهيئة منتزه الاستقلال، الشركة المنجزة هي شركة (سيرو آيست) المنحدرة من ولاية باتنة، أما مخبر مراقبة نوعية الأشغال فهو(LCTP)".

ويتضمن العقد الموقع بين ولاية الجزائر، صاحبة المشروع، وشركة (سيرو آيست)، إنجاز ثلاث (3) شرفات مطلة على البحر يتم تزيينها بالنباتات، مساحة كل شرفة تتراوح بين 21 و22م مربع بمبلغ مالي يقدر بـ5,7 مليون أورو، وتضمن العقد أيضا إنجاز شطر آخر وهو ما سمي بالجزء المشروط، يتضمن إنجاز جدران دعم أو إسناد لتوسيع الأرصفة، خصوصا أن المشروع يتضمن إنجاز ممر سياحي للمشي على الأقدام، بينه ممر لذوي الهمم، وتنصيب أعمدة للإنارة العمومية وإعادة تهيئة السلالم الموجودة بمبلغ مالي يقدر بـ3،7 مليون أورو.

أكواريوم ضخم بالحامة..

وحسب مخطط التهيئة الذي أعدته ولاية الجزائر، فإن هذه البنية التحتية الماثلة في إنجاز الشرفات ومسار للراجلين وتهيئة هضبات مقام الشهيد وصولا إلى حديقة التجارب بالحامة، تعدّ ضمن المحاور الرئيسية لتهيئة النسيج الحضري للعاصمة، في إطار مخططها الاستراتيجي لتطويرها في أفق 2030.

كما يرتقب، تبعا لما جاء في مخطط التهيئة، إنجاز مصعد هوائي جديد يدعم المصعد القديم، يسهل ما سمي بالتدفق المتقاطع للزوار من مقام الشهيد إلى الصابلات ومن الصابلات إلى المعلم التاريخي، كما يسمح لهم بالوصول إلى المعالم التاريخية والثقافية والفنية الأخرى على طول المسار السياحي، في وقت تشير فيه إلى إنجاز أكواريوم ضخم على مستوى محيط مكتبة الحامة تعرض فيه الحيوانات البحرية، إلى جانب إنجاز ساحة عمومية، مع تهيئة فضاء رياضي وثقافي ترفيهي مجهز بمسرح في الهواء الطلق ما سيعطي جاذبية أكثر لحديقة التجارب وباقي المعالم الأخرى، بل ويخلق علاقة وظيفية بين المدينة والبحر.

وما وقفنا عليه، بالقرب من فندق سوفيتال، أن الأشغال كانت متواصلة لإنجاز الساحة العمومية المذكورة والأكاريوم وفضاءات للرياضة والترفيه. وترتب ولاية الجزائر، استنادا لمصادر على صلة بمنتزه الاستقلال، لاقتراح فضاءات للراحة على طول مسار المنتزه وأخرى للترفيه، بل وأخرى لاحتضان تظاهرات كبرى.

ويمتد منتزه الاستقلال الذي شرع في أشغال إنجازه مطلع العام 2025 على طول 4،8 كم، يربط مقام الشهيد ومنتزه الصابلات مرورا بعدة معالم تاريخية وثقافية وفنية منها (فيلا عبد اللطيف، متحف الفنون الجميلة، مغارة سرفنتيس، المكتبة الوطنية بالحامة وحديقة التجارب).

الأشغال متواصلة..

ما شاهدناه من خارج السياج الذي يخفي داخله الأشغال على مستوى منحدر مقام الشهيد، أن الشرفات الثلاث (3) قد أنهيت عملية إنجازها، تتربع الواحدة على مساحة تتراوح بين 21 و22م مربع، فيما لم تتم تهيئتها وتزيينها بعد على نحو نهائي، وهي التي ستسمح بتقديم رؤية بانورامية على البحر بشكل خاص ومدينة الجزائر بشكل عام، في حين لا تزال أشغال توسيع الأرصفة وممر للمشاة متواصلة من منحدر المعلم التاريخي وصولا إلى حديقة التجارب، إذ بوسع الزائر للحامة أن يرفع رأسه لرؤية شرفات من إسمنت تطل على مدينة الجزائر.

وكان والي الجزائر محمد عبد النور رابحي الذي أشرف على تنصيب الشركة المكلفة بإنجاز المشروع رفقة وزير الثقافة والفنون زهير بللو، في وقت سابق، أسدى تعليمات للشركة المنجزة تقضي باختيار مواد البناء ذات الجودة العالية، المتماشية مع خصوصية الطابع المعماري والتاريخي للموقع، في إشارة واضحة إلى أن السلطات تصر على احترام المعايير القياسية للحفاظ على الطابع الرمزي والثقافي والفني والبيئي لهذا المسلك السياحي، لأنه يندرج ضمن المخطط الأزرق المتعلق باستعادة العلاقة المتينة التي كانت تربط مدينة الجزائر بالبحر وتدخل ضمن إستراتيجية تطوير وعصرنة العاصمة. والحاصل أن تسمية هذا المنتزه الذي يرتقب أن يتم تسليم شطر منه في الثلاثي الأول من 2026 بمنتزه الاستقلال، يجسد رمزية استقلال الجزائر ويخلد مآثر شهدائها.

مد الروح في المعالم التاريخية والفنية

مقام الشهيد الذي أنجز سنة 1982 يعدّ رمزا وطنيا هاما، يخلد تضحيات الشعب الجزائري في سبيل الحرية، بإمكانه أن يستعيد رمزيته التاريخية ضمن هذا المسار السياحي وينتعش بعد أن تحول المكان إلى وجهة جاذبة للزوار، تلتقي مع زخم رمزية باقي المعالم الثقافية والفنية الأخرى منها دار عبد اللطيف الواقعة بالحامة (بلوزداد) وهي قصر تاريخي يطل على حديقة التجارب، يعود بناؤها إلى 1715م وهي ذات هندسة عثمانية وروح أندلسية، اشتراها عبد اللطيف، وهو أحد أعيان وأثرياء ومثقفي وشعراء الجزائر، سنة 1795 بـ2000 دينار ذهبية.

بل بوسع الزوار عند تجريب هذا المسار السياحي اكتشاف مغارة سرفنتيس الواقعة أسفل جبل بلوزداد، وتطل على ميناء الجزائر، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الأديب الإسباني ميغيل سرفنتيس، مؤلف دون كيشوت، فقد اختبأ في هذه المغارة بعد محاولته الهروب من الأسر، وفيها بدأ التفكير في كتابة عمله الشهير دون كيشوت. واستنادا لمراجع تاريخية، بدأت حكاية سرفنتيس مع الجزائر عندما منحه الجيش الإسباني إجازة ليعود إلى بلده قادما من إيطاليا، لكن في طريق العودة حاصرته ثلاث سفن جزائرية قبالة سواحل مرسيليا، يقودها قائد البحرية العثماني دالي مامي، وتم أسره رفقة أخيه رودريغو عام 1575.

ولا يقل متحف الفنون الجميلة أهمية عن ذلك، فالزوار عند تجريبهم لهذا المسلك السياحي سيكتشفون 6 قرون من الفن العالمي بمجموعاته الثمانية آلاف قطعة أثرية، نصفها تقريبا عبارة عن لوحات تشكيلية زيتية مرسومة على القماش والورق والخشب يعود أقدمها إلى القرن الرابع عشر، كما يضم منحوتات وأثاث وخزفيات وقطع ديكور وتحف جبسية وزجاجية وكتب ومطبوعات قديمة، متربعا على عرش متاحف الفنون في إفريقيا برمتها، يقع المتحف الذي تأسس سنة 1930 في مرتفع غابي يتوسط بين حديقة التجارب بالحامة ورياض الفتح. كما يمكنهم اكتشاف الثراء الذي تزخر به حديقة التجارب بالحامة، بالنظر لنوع النباتات المتوفرة بها والمناخ السائد بها، إذ ورغم مرور قرابة قرنين على إنجازها لا تزال مقصدا مفضلا للزوار.

هل يتم استعادة شرفات وسطوح المدينة؟

إنه مسار سياحي سيتقاطع فوقه الترفيه مع الثقافة والتاريخ والطبيعة والفن، لتصبح التجربة من مقام الشهيد إلى الصابلات أو العكس ثرية، في ظل فتح أبواب المسجد الأعظم للزوار وتهيئة محيطه وأبوابه لاستقبالهم، وتكتمل بمعانقة زرقة البحر المتوسط في فضاء الصابلات، إنه مسلك بهوية تاريخية وثقافية وفنية ودينية، ولو أن مصادر على صلة بإنجاز منتزه الاستقلال تشير إلى أن فكرة إنجاز هذا المشروع تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، بإنجاز جزء منه وهو مكتبة الحامة وفندق سوفيتال.

وتؤشر عملية إقبال ولاية الجزائر على إنجاز الشرفات الثلاث في محيط مقام الشهيد إلى توجهها المستقبلي لإعادة تهيئة وتأهيل عديد السطوح والشرفات ببنايات ميناء الجزائر وأخرى بمحيطه، ورد الاعتبار لحزام واسع منها، على اعتبار أن عديد الشرفات تم استغلالها في ظل ملابسات عديدة وحولت بطرق غير قانونية لمطاعم وحانات وغرف للنوم، وأخرى كمستودعات للسلع رغم أنها تقدم إضافة فنية للجانب المعماري العاصمي، فيما يمثل سطح العمارة أو البناية على مقربة من البحر فضاء جماليا وإنسانيا يوفر فرص التفاعل الاجتماعي، بل قد يتحول إلى سياق اجتماعي ومكان استرخاء يستقبل فيه الضيوف والأصدقاء واكتشاف سحر المكان المطل على البحر الأبيض المتوسط، إذ أن الشعور بعدم الانتماء الفعلي للمكان جعل السطوح عرضة للإهمال.

ديار المحصول والمنتزه

وفيما يتساءل بعض أبناء بلوزداد والمدنية عن الكيفية التي يتم بها إنجاز الإنارة العمومية الخاصة بالمنتزه على طول المسار الذي يقطعه الزوار على الأقدام حتى حديقة التجارب أو المكتبة الوطنية، من أجل إدخال هذا المسلك ضمن تنمية مستدامة مفعلا ليلا ونهارا وإضفاء رونق جميل عليه ليلا، فضلا عن طريقة تسيير المصاعد، يتساءل عدد من أبناء حي ديار المحصول عما إذا كانت السلطات تفكر في إلحاق حي ديار المحصول بمشروع منتزه الاستقلال. إذ كان وزير السكن بلعريبي صرح مطلع العام 2025، أن حي ديار المحصول تم إدماجه ضمن التراث الحي وسيتم تحويله إلى قرية للفنانين، أي ورشة للفن، خصوصا أن الحي يعدّ تراثا عمرانيا يعود تاريخ بنائه إلى عام 1955، يقع على بعد أمتار من رياض الفتح.

منتزهات أخرى في الأفق..

ويرتقب أن تبرز، في السنوات المقبلة، تبعا للمخطط الأزرق لتهيئة الواجهة البحرية للعاصمة عدة منتزهات، في مسعى مواصلة مصالحة مدينة الجزائر مع البحر، ويتضمن المخطط الاستراتيجي لتنمية وتهيئة مدينة الجزائر في أفق 2030 إعادة تأهيل المدينة من الناحية الثقافية والترفيهية والسياحية، ويمر ذلك عبر إنجاز معالم أساسية تضاهي في شموخها المسجد الأعظم لدعم الصورة الدولية الجديدة للواجهة البحرية، مثل إنجاز فضاءات للمعارض الدولية وفق ما يتحدث عنه بعض المهندسين، وقاعات كبرى وفخمة للعروض الثقافية، مكتبة عربية جنوب أمريكية وأكواريوم ومتحف لإفريقيا ومارينا، إلى جانب محطة مركزية للمسافرين.