ربورتاجات

النعامة.. من بوابة الصحراء إلى قطب اقتصادي

تصب مساعي السلطات العليا القاضية بالمضي على نحو جدي في توفير الأمن الغدائي عبر كسر متلازمة الريع البترولي؛ بجعل الفلاحة بديلا استراتجيا لخلق الثروة.

  • 521
  • 16:03 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

الأجواء الآخذة في التشكل بولاية النعامة الواقعة على بعد نحو 700 كم إلى جنوب غربي البلاد، تشير إلى أن المنطقة تعيش حالة تحول اقتصادي بعدما راحت تكسر الصورة النمطية التي ألفتها منذ نصف القرن كولاية رعوية صحراوية، إلى ولاية تخلق الثروة وتسهم كواحدة من الوجهات الواعدة في صناعة الأمن الغذائي، وبالتالي تقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بالنظر للمؤهلات الطبيعية التي تتوفر عليها؛ فالترتيبات الجارية حاليا تفيد أن شركات كبرى عمومية وأجنبية ومستثمرين كبارا جزائريين وأجانب ستحل قريبا بالنعامة، وسيتكامل ذلك مع انجاز مصنع خام الحديد وآخر لتحويل الورق، في ظل الترتيب لقيام صناعة تحويلية غذائية. بل هي منطقة تزخر بمؤهلات سياحية جعلت منها متحفا مفتوحا على الطبيعة، بالنظر لقصورها ومعالمها الدينية وبحيراتها المصنفة وجبالها، ما يستدعي الترويج لها لأجل ترقيتها إلى وجهة سياحية في الجنوب الغربي للبلاد.

تستوي الأراضي الفلاحية بالنعامة على أزيد من مليوني (2) هكتار، إلا أن الإنتاج النباتي يسهم بـ4 بالمائة فقط من القيمة المالية للإنتاج الفلاحي، بينما يساهم الإنتاج الحيواني بـ74 بالمائة من القيمة الإجمالية بعدد رؤوس ماشية يفوق المليون (1) ومائتي (200) ألف رأس.

الملتقى.. المنعرج

وتصب مساعي السلطات العليا القاضية بالمضي على نحو جدي في توفير الأمن الغدائي عبر كسر متلازمة الريع البترولي؛ بجعل الفلاحة بديلا استراتجيا لخلق الثروة، في مسعى إخراج المنطقة من حالة الفتور والجمود ضمن خطة تنمية الزراعة الصحراوية عبر 20 ولاية من جانب استصلاح الأراضي وتوسيع مساحاتها ودعم الفلاحين والمستثمرين.

وشكل الملتقى الوطني لتطوير الزراعات الإستراتجية المنعقد في 2023 بولاية النعامة، المنعرج الكبير في تدشين الولاية لقفزتها نحو قطاع الفلاحة. ويقول مدير المصالح الفلاحية للنعامة بوجمعة شروين، إنه "مباشرة بعد الملتقى الوطني الذي جاء تحت شعار "النعامة: آفاق واعدة لتطوير الزراعات الإستراتجية وتثمين السلالات المحلية" تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، وتحت إشراف وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ووزارة الفلاحة والتنمية الريفية، حضره 7 وزراء ومتعاملون ومستثمرون فلاحيون من داخل الولاية وخارجها، تم تحديد ما يفوق 80 ألف هكتار من الأراضي في شكل محيطات موجهة لاستقطاب مشاريع ذات بعد استراتيجي، كالحبوب، الذرى، الزراعات العلفية، الزراعات الزيتية، زراعة البطاطا الموسمية وغير الموسمية، إنتاج اللحوم..".

إذ تم في إطار المرسوم التنفيذي 21/432 المؤرخ في 4 نوفمبر 2021 توزيع ما يفوق 37200 هكتار بعد أن تم وضعها تباعا على المنصة الرقمية للديوان الوطني للأراضي الفلاحية، يضيف المدير.

ومن المساحات الموزعة هذه، تم تخصيص ما يفوق 3200 هكتار لزراعة البطاطا، وتحرص مصالح الولاية على انتقاء المستثمرين في هذا المحيط الفلاحي وتفضل منح الأولوية للمؤسسات المعتمدة من قبل وزارة الفلاحة لإنتاج بدور البطاطا.

نماذج استثمارات..

وقد وقفت "الخبر" أثناء زيارتها للنعامة على نماذج استثمارات، تكشف تواصل تدفق المستثمرين على النعامة، إذ بعد تنقلنا إلى مزرعة (سارل تيوت) الواقعة على بعد 15 كم عن بلدية تيوت، و100 كم إلى جنوب مدينة النعامة، وقفنا على الأشغال الجارية لتهيئة جانب من مساحة شاسعة تتربع على 1150 هكتار. إذ رغم تساقط الثلوج، كانت نحو 6 جرافات بصدد تهيئة مساحات لاحتضان الزراعات الإستراتجية.

"جئنا من العاصمة"

ويقول زكريا بوخاري، مهندس فلاحي بالمزرعة "جئنا من العاصمة للاستثمار في النعامة، مزرعتنا سارل تيوت تتربع على 1150 هكتار، ونحن نرتب للشروع هذا الشهر ديسمبر في الزراعات الإستراتجية كالقمح والشعير، البطاطا.. إلى جانب تربية الأغنام ونأمل مستقبلا الاستثمار في الزراعات الصناعية..".

وفي معرض إجابته على واحدة من الأسئلة التي مفادها، ما الذي شجعكم على اختيار ولاية النعامة للاستثمار في الفلاحة؟ قال "النعامة تتوفر على آفاق واعدة في الفلاحة بالنظر لتوفر التربة الخصبة والمياه ذات الجودة والمناخ الملائم...".

وتؤشر نوعية العتاد المتوفر في (سارل تيوت فلاحة) إلى أن المستثمر ماض على نحو جدي في تجسيد مشروعه الفلاحي، إذ تتوفر المزرعة على محورين للرش بمعدل 30 هكتارا للمحور الواحد، ومحور ثالث بمعدل 15 هكتارا، بالإضافة إلى أربعة (4) محولات كهربائية، فضلا عن أربعة (4) آبار وحوضين كبيرين وعديد الجرارات وجرافات.

وبوسع الزائر لمنطقة زبوجة نحو 10 كم عن بلدية تيوت، على مستوى الطريق الوطني رقم 76 باتجاه البيض، أن يلحظ مزرعة الهڤار المتربعة على 800 هكتار. وينظر عبد العالي مسير المزرعة إلى آفاق الصيرورة المستقبلية للمزرعة على أنها واعدة، ويقول "إننا نركز على الزراعات الإستراتجية كالقمح والشعير، إلى جانب البطاطا والأعلاف كالخرطال وتربية الأغنام..."، قبل أن يضيف "خصصنا 20 هكتارا لزراعة الزيتون، و20 هكتارا للبطاطا، و20 هكتار أعلاف، ونفكر في زيادة رؤوس الغنم والمساحة المخصصة للزراعات الإستراتجية، القمح والشعير الخرطال...". وتتوفر على 5 آبار وحوضين مائيين ومولدات كهربائية.

وتعكس عملية تجسيد هذه الاستثمارات جدية المستثمرين في تنفيذ بنود دفاتر الشروط مع المصالح الفلاحية، وساعد في استقطاب الاستثمارات الجادة، استعمال التكنولوجيا الجديدة كالمنصة الالكترونية للاستثمار على خلاف السنوات الفارطة التي طبعتها الآليات التي كانت تسمح بمنح العقار الفلاحي بالاعتماد على الكم بدل الكيف.

القصدير تولد من جديد

ومن أصل 37200 هكتار تم توزيع 23700 هكتار بالمنطقة الحدودية القصدير (بلدية القصدير) وهي مساحات في شكل محيطات تقع بكل من وادي الحرمل، حوض الـ70 والراشدية، مخصصة للزراعات الإستراتجية والبطاطا، ويؤشر هذا التوجه الهادف إلى الاستثمار في المناطق الحدودية إلى أن السلطات العليا للبلاد تحوز على خطة تنمية هذه المناطق عبر تجسيد إستراتجية زراعية، أبرزها تعزيز الأمن ألغدائي لتقليص فاتورة استيراد الغداء بالنظر لشساعة المساحات بهذه المناطق وقابليتها للاستصلاح، فضلا عن تثبيت السكان في مناطق إقامتهم والحد من نزوحهم نحو وجهات أخرى عبر توفير مناصب الشغل، وهي خطة تصب في خانة حماية الحدود وتعزيز الاستقرار.

وسمحت الاستثمارات هذه، تبعا لأقوال الوالي، للنعامة بأن تحتل الريادة في الحبوب والبطاطا في ظرف عام ونصف العام بمحصول يقدر بـ70 قنطارا في الهكتار في مجال الحبوب، و600 قنطار في الهكتار في شعبة البطاطا غير الموسمية. و "بهذه البداية المشجعة يمكننا توفير أزيد من مليون قنطار في السنة كانطلاقة.. لذلك فالنعامة تساهم بقسط كبير في الاقتصاد الوطني على غرار الحبوب، الذرى، النباتات الزيتية، الأعلاف، الثروة الحيوانية..".

المناطق الحدودية هذه، رغم التكفل بها من جانب توفير كافة مستلزمات مرافق الحياة، بينها مناطق الظل، إلا أنها ظلت لسنوات مقصية من مشاريع خلّاقة للثروة ومناصب الشغل على نحو جعلها عرضة للآفات الاجتماعية.

لكن اليوم وفي غمرة مظاهر التحول التي راحت تغير وجه المناطق الحدودية نحو آفاق مستقبلية واعدة، لم يخف بعض من أبناء المنطقة ممن تحدثنا إليهم، استحسانهم للمشاريع الاستثمارية كونها أعادت لهم الأمل وأشعلت فيهم الإقبال على الحياة.

تلقيت كل التحفيزات...

وفي غمرة الحديث إلى مدير المصالح الفلاحية في مكتبه، دخل مستثمر فلاحي حاز على مساحة 1000 هكتار بمحيط فلاحي يتربع على 20 ألف هكتار بالمنطقة الحدودية القصدير، خصص للزراعات الإستراتجية والبذور الزيتية. هذا المستثمر، هو صاحب مصنع (شيبس) بولاية ميلة.

عندما سألناه عن أسباب ودوافع اختيار ولاية النعامة لخوض استثماراته الفلاحية، قال "في النعامة وجدت كل التحفيزات والترحيب والتشجيع، ففي غضون شهر ونصف حصلت على رخصة حفر خمسة (5) آبار على عمق 350 م ونحن حاليا بصدد القيام بدراسة جيولوجية للمساحة التي حزنا عليها.."، قبل أن يضيف "نطمح للاستثمار مستقبلا في غرف التبريد طالما أن الولاية مقبلة على مرحلة إقامة صناعة تحويلية..".

ويؤكد مدير المصالح الفلاحية؛ أن تواصل تدفق المستثمرين يعود إلى كون جميع المصالح المتداخلة مع قطاع الفلاحة بالولاية، تعمل بشكل متوافق ومتناسق فيما بينها تحت إشراف الوالي لوناس بوزڤزة.

احتياط مائي بـ33 مليون م3

وشكل عامل توفر المياه، كواحد من أهم مؤهلات الولاية على استقطاب المستثمرين لقطاع الزراعة، فهي تتوفر على احتياطي مائي يزيد عن الـ33 مليون متر مكعب من المياه الجوفية، أي تعتمد على المياه الجوفية 100 بالمائة، استنادا لما صرح به لنا مدير الري.

فبالنسبة لحوض النعامة، تبلغ المياه الجوفية به 19 مليون متر مكعب سنويا، يزود كلا من بلديتي النعامة والمشرية بماء الشرب، كما يمون فلاحيي المنطقة بمياه السقي، وعلى العموم تعتمد بلديات الجهة الشمالية الشرقية للولاية على المياه الجوفية الكائنة بالشط الشرقي والشط الغربي. أما الجهة الجنوبية التابعة جغرافيا لإقليم الأطلس الصحراوي، فتعتمد كليا على المياه الجوفية، بينها عين الصفراء، إذ بلغت المياه المستخرجة سنويا 14 مليون متر مكعب.

وبلغت رخص حفر الآبار 363 رخصة خلال عام 2025، بينما وصلت 319 رخصة عام 2024، وبإضافة الرخص التي منحت للمستثمرين ممن تم انتقاؤهم عبر المنصة الالكترونية للاستثمار، فإن العدد يصل 2076 رخصة، ما يعكس جدية السلطات في مرافقة قطاع الفلاحة ودفعه نحو تحقيق قفزة تنموية.

عرض 26 ألف هكتار قريبا

ويرتقب في غمرة مظاهر التحول الفلاحي التي تعرفها الولاية منذ نحو عامين، أن يشهد قطاع الري هو الآخر فصلا جديدا من التنمية لمرافقة المشاريع الاستثمارية الفلاحية والصناعية؛ فوفق ما صرح به لنا مدير الري، فإن الولاية تراهن على التوجه للاستفادة من مياه الشط الغربي لتموين ساكنة الولاية بالمياه الصالحة للشرب وتموين الاستثمارات الفلاحية والصناعية، خصوصا وأن عددا من المستثمرين الفلاحيين في مجال الزراعات الإستراتجية قد حازوا على 100 رخصة لحفر الآبار.

كما ترتب المصالح الفلاحية لتوسيع المساحات المسقية المستقرة حاليا في 14 آلف هكتار، خصوصا وأن الوالي لوناس بوزڤزة رفقة مدير المصالح الفلاحية بوجمعة شروين، يؤكدان عرض 26 آلف هكتار قريبا على المنصة الرقمية، وهي مساحات تمتد عبر بلديات الولاية، لتصل المساحة المستغلة فيها إلى عتبة 63 آلف هكتار.

وقد رصدت 1000 هكتار من أصل 26 ألف هكتار المعنية بالعرض، للشباب حاملي المشاريع، وذلك بعد أن انخرطت المصالح الولائية في تهيئة بعض المحيطات بفتح المسالك، وحفر الآبار وتجهيزها، وانجاز أحواض مائية وتزويدها بقنوات سقي.

وتتضمن خطة تطوير وتنمية قطاع الفلاحة والري بالنعامة، حسب مدير المصالح الفلاحية، استعمال الوسائل التكنولوجية كإدراج المعرفة والرقمنة في تطوير مشاريع القطاع، وتعكس الاتفاقية المبرمة بين المصالح الفلاحية وجامعة احمد صالحي بالنعامة (دار المقاولاتية) هذا التوجه؛ بل "وشهد قطاع الفلاحة مرافقة من قبل المدارس العليا للفلاحة بالحراش على مدى السنتين (2023- 2024)، تمثلت في الزيارات البيداغوجية بغية تنمية القدرات المعرفية للطلبة وإيجاد حلول للمشاكل التي تعترض مهنيي القطاع واعتماد بعضها في مذكرات بحث..".

شركات كبرى.. في الطريق

واللافت، أن السلطات العليا تبدي اهتماما للتحول الزراعي الآخذ في التشكل منذ نحو عامين بالنظر لأولى المؤشرات المبشرة بآفاق واعدة لهذا القطاع، ولعل ما يعكس هذا الاهتمام استفادة الولاية من ثمانية (8) مخازن للحبوب في مسعى رفع وتطوير قدرات التخزين، بسعة 400 ألف قنطار، في وقت كانت لا تتعدى 160 ألف قنطار.

وتؤشر هذه الالتفاتة إلى مستقبل الاستثمارات الكبرى التي باشرتها ولاية النعامة، وتلك التي ترتب لتجسيدها لاحقا، خصوصا وأن الوالي كان أوضح لنا أن المرحلة الثانية من الاستثمارات خصص لها مساحات كبرى، تبدأ من 10 آلاف إلى 20 ألف هكتار، ستكون من نصيب مؤسسات عمومية كبرى وأخرى أجنبية تمر على الرواق الأخضر، في القريب العاجل، إلى جانب مستثمرين كبار جزائريين وأجانب.

ومع أن الوالي رفض ذكر أسماء الشركات الوطنية والأجنبية وأسماء المستثمرين الجزائريين والأجانب، إلا أن الزيارة التي قادت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية إلى النعامة بعد يومين من عودتنا للعاصمة، تعطي الانطباع أنها تندرج ضمن مساعي بحث آفاق الاستثمار الفلاحي بالمنطقة.

وكانت "الخبر" أولى الجرائد التي زارت المزرعة الأمريكية الجزائرية ببريزينة بولاية البيض (نحو700 كم) إلى جنوب غربي العاصمة سنة 2017، وهي مزرعة تتربع على 20 ألف هكتار. وتبعا لما وقفنا عليه، فهي نموذج للاستثمارات الكبرى القادرة على تقديم قيمة مضافة لقطاع الفلاحة والاقتصاد الوطني بالنظر لنوعية التكنولوجيا المستخدمة والمجال محل الاستثمار (الزراعات الإستراتجية والصناعية، البطاطا، الأعلاف... وتربية المواشي).

وبوسع الاستثمارات التي ستخوضها الشركات والمستثمرون الكبار أن تغير وجه النعامة وتجعل منها واحدة من أبرز قلاع إنتاج وصناعة غذاء الجزائريين، خصوصا وأن الدولة تواصل حشد مزيد من الإمكانات لتجسيد الاستثمارات المأمولة، بينها إيصال الكهرباء الفلاحية، خصوصا وأنها ولاية تحوز على كبرى محطات توليد الكهرباء عبر الوطن، استنادا لأقوال الوالي.

ويؤكد مدير المصالح الفلاحية أنه خلال 2025 تم انجاز ما يفوق 200 كم من الكهرباء الفلاحية، ذلك بعد أن تم رصد 100 مليار لهذا المجال كمرحلة أولى، وأزيد من 35 مليار سنتيم لفتح المسالك، ويرتقب أن تتواصل خطة ربط المحيطات الفلاحية بالكهرباء مستقبلا في أعقاب الترتيب للشروع في المرحلة الثانية للاستثمارات الكبرى قريبا.

الأولوية للحبوب وإنتاج اللحوم والحليب..

ما عرفناه من لدن مدير المصالح الفلاحية، هو أن المحاصيل التي ستحتل الأولوية مستقبلا في الاستثمارات هي الحبوب بشكل عام، الذرى الحبية، الزراعات العلفية، إنتاج اللحوم والحليب وزراعة البطاطا، ويرتقب أن تبعث المشاريع الفلاحية هذه، الروح في ساكنة النعامة وتحفزها على النظر للمستقبل، خصوصا وأن مدير المصالح الفلاحية يشير إلى أن القطاع يستقطب إليه فئة كبيرة من ساكنة الولاية ومن فئات عمرية مختلفة، غالبيتها من الشباب.

وفي خطوة لتحفيز وتشجيع هذه الفئة للانخراط في المستقبل الزراعي للنعامة، ترتب السلطات الولائية رفقة المصالح الفلاحية لعرض عقار فلاحي يقارب 1000 هكتار موجه للشباب حاملي المشاريع، ولاسيما الفئة التي تلقت تكوينا في مراكز ومعاهد التكوين المهني.

وموازاة مع ما يجري الترتيب له لإحداث نقلة نوعية في الجانب الزراعي بعد انطلاقة جد مشجعة، قفزت فيه المساحة المستغلة من الأراضي من 5 آلاف إلى 37200 هكتار، تبوأت فيها النعامة مكانة الريادة في البطاطا (600 ق في الهكتار و70 ق في الهكتار للحبوب)، تؤشر الأجواء الآخذة في التشكل إلى أن ولاية الشيخ بوعمامة تستعد لتدشين منعرج جديد في عالم تربية المواشي بالنظر لتصدرها المراكز الأولى في عدد رؤوس الماشية بمليون و200 ألف رأس، وكذا الطابع الرعوي للمنطقة المستولي على 74 بالمائة من المساحة الإجمالية للولاية.

مليون و200 ألف رأس..

إذ خلال تواجدنا بمدينة النعامة، صادفنا اجتماعا على مستوى مقر الولاية ضم عددا من الموالين ومهنيي الشعبة، كان محوره الإستراتجية الجديدة الرامية إلى دعم وتنمية شعبة تربية المواشي وتعزيز شعبة اللحوم الحمراء، بعرض الإجراءات التحفيزية التي وضعتها وزارة الفلاحة والصيد البحري من جانب ضبط أسعار الأعلاف وضمانها بشكل مستمر، وهي رؤية تتماشى مع خطة تحقيق الأمن الغذائي من جانب تعزيز الثروة الحيوانية وزيادة الإنتاج المحلي، فضلا عن تنظيم السوق، لاسيما في فترات الضغط مثل مناسبتي رمضان والعيد، وتشجيع تحسين السلالات من جانب خدمات التلقيح الصناعي والمراكز التقنية وتوفير تكوين فني للمربين لرفع كفاءة التربية.

ويقود الوضع الحالي لتربية المواشي بالنعامة إلى طرح تساؤل أكبر بشأن ما إذا أمكن فتح فرص للاستثمار في وحدات إنتاج الأعلاف لتقليل الواردات وتوقيع اتفاقيات إستراتجية مع شركات محلية وأجنبية لتطوير الإنتاج الحيواني، يشمل وحدات إنتاج الألبان واللحوم الحمراء على نحو يسمح بنقل الخبرة والتكنولوجيا، بل ويمكن أن تشمل الخطة انجاز مذبح عصري ترافقه شبكة جمع وحفظ الجلود، يمكن أن تتوج بإنشاء وحدة دباغة ثم تتوسع لتتحول إلى مصنع للأحذية والملابس الجلدية والحقائب.

الصناعة التحويلية أمر حتمي

وتفيد إطارات متابعة للشأن المحلي للنعامة، أن المؤشرات الايجابية لقطاع الفلاحة تمهد وتشجع على إطلاق صناعة تحويلية بالنظر للإنتاج الفلاحي الآخذ في التنامي، خصوصا وأن وزارة الفلاحة حاليا تعمل على تفعيل الرابط بين القطاع الصناعي الغذائي، لأن تحويل المنتجات الفلاحية (الحليب ومشتقاته، اللحوم والألبان والبطاطا والطماطم والفواكه، مطاحن...)، يضيف قيمة للاقتصاد الوطني ويخلق مناصب شغل. ما يعني أنه بدل بيع المنتوج الفلاحي في صورته الأولية، يمكن إنشاء وحدات صناعية للتحويل (كوحدات تحويل البطاطا، العصائر، الطماطم، الحليب، اللبن...)، ما يسهم في تحسين قدرات المنتج المحلي على المنافسة، بل وتحفز هذه المشاريع التحويلية الاقتصاد المحلي للولاية، وهو ما يساعد على تعزيز الأمن الغذائي.

وتسكن الوالي قناعة بأن المرور إلى الصناعة التحويلية هو أمر حتمي في ظل ما تزخر به الولاية من مؤهلات، وفي ظل تخصيص 600 قطعة أرضية في 6 مناطق نشاطات مبرمجة لاحتضان هذه المشاريع، وقال "نحن متجهون إلى الصناعات التحويلية..".

فازت بأكبر مصنع لتحويل خام الحديد

ولعل ما يساعد على إحداث هذا المنعرج في الصناعة التحويلية، هو توطين المشروع الكبير المتمثل في مصنع تحويل خام الحديد الذي خصصت له الولاية 500 هكتار بمنطقة الحرشاية لاحتضانه، ينتج حديدا مصنعا ونصف مصنع موجه للاستغلال المحلي والتصدير، بمعدل 15 مليون طن سنويا، ويرتقب أن يتم تزويده بمياه الشط الشرقي بحوالي 80 ألف متر مكعب يوميا.

ويرتقب، استنادا لأقوال الوالي، أن يوفر بين 5 آلاف إلى 10 آلاف منصب شغل. كما يرتقب أن يسهم المشروع الضخم في إحداث حركية اقتصادية، إذ ستستفيد الولاية مستقبلا من مشروع خط السكة الحديدية المزدوج الذي سيدعم خط السكة الحالي، ذلك بعد أن استفادت من ازدواجية الطريق الوطني رقم 06 الرابط بين الشمال والجنوب الغربي، بالإضافة إلى الطريق الوطني رقم 22 الذي يربط ولاية النعامة بولاية تلمسان، في انتظار توسعة مطار الشيخ بوعمامة مستقبلا الكائن بالمشرية.

والواقع، أن توطين مصنع بهذا الحجم في النعامة، هو معطى جديد في منطقة الجنوب الغربي برمته يحمل رسالة سياسية؛ مفادها أن الخوف سيغير معسكره من منطقة ألهتها الانحرافات الاجتماعية، إلى وجهة اقتصادية مستقبلية حافلة بالحياة والنشاط، ما يعد حلقة هامة في خطة ترسيم تنويع موارد الاقتصاد للخروج من متلازمة الريع البترولي.

وموازاة مع ذلك، تجري أشغال استكمال انجاز واحد من أكبر مصانع تحويل الورق، يرتقب أن ينطلق كمرحلة أولى بتوفير 1500 منصب، رصد لانجازه 4000 مليار سنتيم.

متحف مفتوح على الطبيعة..

وعلى أرض النعامة، يتقاطع الاستثمار الفلاحي مع تقاليد الرعي وسلطة الطبيعة، فالداخل إليها ليس كالخارج منها، فالزائر لمنطقة تيوت على بعد 100 كم إلى جنوب مدينة النعامة؛ يقف على مظاهر سلطة الطبيعة الخلاب، حيث الواحات والوديان والصخور المنقوشة برسومات مختلف الحيوانات.

ويشير أحمد عڤون، باحث في تاريخ منطقة تيوت، إلى أن المنطقة تعد متحفا مفتوحا على الطبيعة، إذ اكتشفت فيها آثار أقدام الديناصورات وغابة متحجرة ومحطات للصخور المنقوشة تعود إلى العصر الحجري الحديث، إلى جانب قصر عتيق يعود للفترة الإسلامية، تحيط به الواحة من كل الجهات. هذه الواحة مصنفة ضمن اتفاقية رامسار لحماية المناطق الرطبة، فيما تعد محطة الصخور المنقوشة أول محطة تكتشف على المستوى العالمي سنة 1847 وهي اليوم مصنفة ضمن التراث الوطني.

وتتوفر بلدية تيوت على متحف بلدي يضم مجموعة أثار تعود لما قبل التاريخ، وجناح يستوي على مجموعة من الوثائق. وأصبحت منطقة تيوت وجهة تستقطب زوار غالبية الولايات، وحتى الأجانب من ايطاليين وفرنسيين وأسبان على وجه الخصوص، وتحتضن سنويا المخيم الوطني للشباب.

بحيرات وجبال

وينظر مدير السياحة والصناعات التقليدية للنعامة على أنها تحوز على كل المؤهلات السياحية، فهي تتوفر على أربع (4) بحيرات مصنفة ضمن اتفاقية رامسار لحماية المناطق الرطبة، بل وتستوي أيضا على محميات طبيعية بكل من واحات مغرار، وتيوت، وعقلة الدايرة وعين ورقة.

وزاد من تنوع العرض السياحي عنصر الجبال الممتدة عبر الأطلس الصحراوي، إذ تعد الحظيرة الوطنية لجبل عيسى الكائنة بعين الصفراء المصنفة ضمن القانون رقم 83/03 الخاص بحماية البيئة، وكذا المرسوم رقم 03/148 المتعلق بقواعد تصنيف الحظائر والمحميات، تعد نموذجا طبيعيا رائعا بالنظر لاحتضانها لثروة حيوانية ونباتية متنوعة، تشكل قطبا طبيعيا ذا قيمة سياحية واقتصادية، وتكتمل الصورة مع جبال الشماريخ، وعنتر، ومرغاد، ومكثر، وأمزي.

قصور عتيقة..

وبوسع الزائر لبلديات النعامة أن يسيح في القصور العتيقة للمنطقة التي تقدم نفسها كشواهد وقرائن على عراقة المنطقة، ولاسيما الجهة الجنوبية، كعين الصفراء، والصفيصيفة، وعسلة، وتيوت ومغرار؛ بل وللنعامة حظها أيضا من السياحة الحموية الماثلة في حمام عين ورقة المتواجد ببلدية عسلة وسط منطقة التوسع السياحي، أسفل جبل شماريخ، مما زاد منظره سحرا وجمالا متعدد الألوان، المتميز بمياهه الاستشفائية التي تصل درجة حرارته إلى نحو 45 درجة، ويستقبل نحو 250 شخصا يوميا، إذ يستوي على بيت للشباب وبنغالوهات وبيوت مجهزة لاستقبال السياح والباحثين عن العلاج

وعدة سيدي أحمد المجدوب

وتكتمل الصورة مع الوجه الآخر للنعامة الماثل في المعالم الدينية، حيث الزوايا والمساجد العتيقة وأضرحة رجال الدين، في ظل التألق الذي عرفته في إحياء المواسم والوعدات، أشهرها على الإطلاق وعدة سيدي احمد المجذوب الكائن بعسلة التي تنظم شهر أكتوبر من كل عام، وتستقطب إليها عددا معتبرا من الزوار والسياح.

ويشير مدير السياحة إلى أن السياحة الدينية باتت من أهم الوجهات، ما جعلها تلجأ لاعتماد مسار سياحي مخصص لها قصد تسهيل الوصول إلى الزوايا والمساجد داخل القصور العتيقة.

مهرجان إفريقي عربي..

وتؤشر الأجواء الآخذة في التشكل إلى أن وجهة النعامة ستعرف ازدهارا سياحيا خلال الأعوام القليلة المقبلة؛ في أعقاب مساعي الترويج لهذه الوجهة، عبر تنظيم المخيم الإفريقي العربي نهاية الشهر الجاري بمنطقة تيوت، وكذا تنظيم الألعاب الأولمبية الصحراوية؛ بل ويمكن للسلطات المحلية ومصالح السياحة أن تعيد الاعتبار للشيخ بوعمامة وترقية اسمه والاستثمار فيه لاحتضان مهرجانات وملتقيات للتعريف بالمنطقة، التي استقرت بها عدة شخصيات عالمية، من بينها الكاتبة السويسرية إليزابيث إيبرهارت، على نحو ما فعلت ولاية باتنة في مهرجان تيمڤاد، وسطيف في مهرجان جميلة.

وموازاة مع ذلك، يجري الترتيب حاليا لرفع قدرات الحظيرة الفندقية، فبينما كانت مدينة النعامة تحصي فندقا واحدا خلال السنوات الماضية، ارتفع العدد حاليا إلى 9 فنادق، فيما تجري الأشغال حاليا لاستكمال انجاز 12 فندقا آخر، خصوصا وأن الوالي يشير إلى أنه في إطار رفع العراقيل؛ تم تسهيل كل الإجراءات وإعادة ترميم فندقي جبل مكثر والشيخ بوعمامة بعين الصفراء، ما سيلبي متطلبات الزوار والسياح خلال موسم السياحة الصحراوية.

وموازاة مع ذلك، تمت المصادقة على ست (6) مناطق توسع سياحي تستوي على 3113 هكتار موجهة لطالبي المشاريع الاستثمارية، وهي أوعية ستعرض ريثما يتم تهيئتها على المنصة الرقمية للاستثمار، متواجدة بكل من عين ورقة، وعين الصفراء وجنين بورزق، وعسلة، وتيوت، وصفيصيفة.

على أرض النعامة ما يستحق الحياة، فالمؤهلات الطبيعية التي تزخر بها من جانب الأراضي الخصبة، والمياه الجوفية، والمناخ الملائم، وتنوع تضاريسها التي جعلت منها متحفا طبيعيا خلابا، بالنظر لبحيراتها وجبالها، وعبق قصورها وصخورها المنقوشة، ورائحة تاريخ معالمها الدينية، ترشحها لأن تتبوأ مكانة امتيازية اقتصاديا وسياحيا، ترسم القطيعة مع النسخة التقليدية للنعامة التي ظلت حبيسة تربية المواشي، إلى وجهة مشتعلة بالحياة وإمكانات المستقبل.

مبعوث "الخبر" إلى ولاية النعامة: نوار سوكو