اسلاميات

أهمية التعليم في النهوض الحضاري للأمة

التعليم هدف نبيل ورسالة شريفة ومشعل يضيء دروب الرقي والنجاح للأمم، وبقدر ما يصل إليه مستوى تعليم أفراد الأمة، يكون حظها من الازدهار والتفوق.

  • 255
  • 3:17 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

التعليم هدف نبيل ورسالة شريفة ومشعل يضيء دروب الرقي والنجاح للأمم، وبقدر ما يصل إليه مستوى تعليم أفراد الأمة، يكون حظها من الازدهار والتفوق. ويعتبر التعليم من أهم الأساسيات التي تحتاجها الدول النامية، فلا يوجد بلد متقدمة إلا بالتعليم.
إن التعليم هو رسالة الأنبياء، ومزكاة الأتقياء، قال تعالى: {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}. ولذلك، فالمعلمون والمعلمات يجلسون مجالس الملوك، فهم صناع المجد، وبُناة الأمل، ومنارة الحضارات. وإنه لا مناص للأمم التي تروم أن تتبوأَ الصدارة، من العناية بالتعليم، ولا مفر لبناء الأفراد من التعليم، ولا طريق لتشييد الحضارات سوى طريقِ العلم والمعرفة.
إن بناء الأمم إنما يكون ببناء الفرد الذي هو نواة المجتمع، ولا سبيل إلى بنائه إلا من خلال التعليم. ولهذا، فإن مؤسسات التعليم في أي مجتمعٍ هي معيار قوته، ومقياس نهضته، بدءا من مؤسسات التعليم المبكر، وانتهاء بمؤسسات التعليم العالي. إن التعليم للإنسان يمثل صيانة العقلِ من الانجراف وراء الخرافة والوهم، والسد المنيع من التهورِ وراء الجريمة، والدرع الحصين من التخلف والفساد، والقلعة المنيعة بإذن الله من التطرف والغلو.
التعليم أمانة وليس مجرد وظيفة، ورسوخ هذا المبدأ في ذهنِ المعلم يبعثه على أداء الأمانة على الوجه الأكمل، فيستثمر التقنية الحديثة في تحبيب العلم إلى الأجيال، فالتجديد في التعليم هو أعظم المحفزات للأجيال نحو التعليم، وأمارة العطاء في المؤسسات التعليمية هو التحديث المستمر، ومواكبة المستجدات.
إن المتأمل لأحوال الأمم يجد أن التعليم هو الركيزة العظمى لأي نهضة في قديم التاريخِ وحاضره، وحيث كانت النهضة كان التعليم، وحيث كان التعليم كانت النهضة؛ إذ العلم يرتحل من الأقطارِ حين تسقط الحضارة. والأسرة هي مؤسسة التعليم الأولى في حياة فلذات الأكباد، وإن رسالة المؤسسات التعليمية الأخرى لن تتم ما لم تقم الأسرة بدورِها في التعليم، ومن مهام مؤسسة الأسرة في التعليم تحبيب العلم للناشئة ومتابعتهم والاهتمام بنجاحهم وتفوقهم.
ومن الضروري تحديث الوسائل التعليمية وجعلها مواكبة للعصر، فنحن اليوم نعيش في عالم العولمة، فالإنترنت والحواسيب والذكاء الاصطناعي وغيرها من الوسائل أصبحت في متناول الجميع؛ لهذا لزاما أن تدمج في الإطار التعليمي؛ ليكون عن حق مواكبا للزمن الحاضر. ولا شك أن التقدم الحضاري ومعالجة حالة التخلف والاعتماد الحضاري الذي تعاني منه أمتنا باتا مرهونين بإصلاح جذري لمنظومة التعليم، فالتغيير المنشود لا يمكن تحقيقه دون تغيير أدواته ووسائله وأنماط تفكيره.
إن بناء نظام تعليمي جديد هو استثمار في مستقبلنا، وهو السبيل الوحيد لتحقيق النهضة الحضارية التي ننشدها، فلنعمل معا بروح المسؤولية الوطنية لبناء هذا النظام، ولنرسي قواعد المستقبل لأجيال قادمة مشرقة. إن التعليم ركيزة من ركائز التنمية البشرية التي تعتبر الإنسان غاية ”فهو مصدرها وفاعلها وصانعها والمستفيد من نتائجها، إنها تنمية شاملة لا تقاس بوفرة السلع والقدرة على شرائها واستهلاكها، بل تسعى إلى تحقيق كرامة هذا الإنسان، وتتوجه إلى الذات لتجعل البشر يعيشون حاضرهم في طمأنينة ويستشرفون مستقبلهم بكل ثقة وتفاؤل”.
ويعتبر التعليم حجر الأساس في تطور المجتمعات وتقدمها، وذلك لأدواره المهمة التي يقوم بها لموقعه المتصدر في السلم التربوي، وهو الإطار الذي تنبثق من خلاله مهمة التطور والتجديد التي تسعى من خلالها الدول المتقدمة والنامية إلى تحقيق الأهداف التنموية الخاصة بها، والتي بلا شك تتمثل في تنمية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات المتعددة للمجتمع في كافة المستويات.
إن النظرة المستقبلية للإنسانية تفرض علينا إعادة التفكير في دور التعليم، فنحن في عصرٍ تتغير فيه حدود الممكن والمستحيل مع كل اكتشاف جديد، ولذلك يحتاج الجيل القادم إلى منهج تعليم يعزز القدرة على التعامل مع هذه التغيّرات العميقة. في هذا العالم المتسارع، نحن بحاجة إلى تزويد شبابنا بالأدوات اللازمة لمواجهة التحديات العالمية، مثل التغير المناخي، والفقر، والصراعات الاجتماعية والإيديولوجية والسياسية...، فالتعليم في هذا السياق ليس فقط عملية اكتساب معلومات، بل هو عملية تمكين للإنسان كي يصبح جزءا من الحلول الكبرى التي يجب أن يتبناها.
إن دور التعليم في النهوض الحضاري لا يقتصر على إمداد الأفراد بالمعرفة النظرية، بل يمتد إلى تدريبهم على التفكير الإبداعي، والقدرة على التكيف مع المتغيرات المستمرة، هذا ما يؤكده الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه بقوله: ”نحن بحاجة إلى تعليم يشحذ الإرادة بدلا من تعليم يزرع الخوف”. إن التعليم الجيد والمتميز يشجع التلاميذ والطلبة على استقرار الأوطان وعلى الحكم الرشيد، ويساعدنا على الابتكار في الكثير من المجالات، وأيضا يساعدنا على التقدم ببلادنا نحو الأفضل.