العالم

الأخطبوط الصهيوني إلى أين؟

يتضح أن السياسة التوسعية الصهيونية لم تعد تكتيكاً مرحلياً، بل إستراتيجية ثابتة لـ"إسرائيل الكبرى"، مدعومة بتحالفات يمينية متطرفة وتواطؤ دولي.

  • 1465
  • 4:46 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

تشهد السياسة الصهيونية تحولاً جذرياً نحو تعزيز التوسع الاستيطاني وضم الأراضي المحتلة، مدعومةً بأغلبية يمينية متطرفة في الكنيست وبتأييد من حكومة بنيامين نتنياهو. تصويت الكنيست في 23 جويلية 2025 لصالح ضم الضفة الغربية وغور الأردن، والاستيلاء على جبل الشيخ السوري، والتوسع في جنوب لبنان والسعي لاحتلال قطاع غزة، يعكس إستراتيجية صهيونية شاملة تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بدعم غربي.

جاء التصويت ليجسد الإستراتيجية الأخطبوطية للكيان والتي تقاطعت مع تصريحات متكررة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2024 ثم في فيفري 2025، مؤداها صغر مساحة الكيان والتفكير في كيفية توسيعها.

وتزامنت هذه الخطوة مع الاستيلاء على جبل الشيخ السوري والتوسع في جنوب لبنان والسعي لاحتلال غزة، وتمثل ذروة مشروع استعماري متكامل يعيد رسم خريطة المنطقة جيوسياسياً.

وفي الضفة الغربية، جاء التصويت تتويجاً لمسار بدأ برفض الكنيست قيام دولة فلسطينية (جويلية 2024)، مستنداً إلى "رواية توراتية" تعتبر المنطقة "يهودا والسامرة" جزءاً من الوطن التاريخي لليهود، مع استغلال أحداث 7 أكتوبر 2023 لترويج فكرة أن الضم "ضرورة إستراتيجية وأخلاقية وأمنية". تجسدت آليات التنفيذ في تسارع استيطاني غير مسبوق شمل بناء 24,300 وحدة استيطانية (2022-2023) ومصادرة مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية (2023) وإقامة 35 بؤرة استيطانية جديدة، مدعوماً بهيكلة إدارية نقلت صلاحيات الإدارة المدنية من الجيش إلى وزير المالية سموتريتش (2023) وإنشاء "وزارة التوطين والمهمات الوطنية" (2020)، بينما تم تهجير الفلسطينيين عبر هدم 977 منشأة وتهجير 25 تجمعاً بدوياً.

في الجولان وجبل الشيخ، تمثل الأهمية الجيوسياسية في سيطرة القمة على دمشق وحوران وشمال الأردن وجنوب لبنان، واحتضانها لمنابع نهر الأردن، ما يجعلها نقطة مراقبة إستراتيجية. وقد بدأت مراحل الضم بالاحتلال العسكري (1967) ثم الضم القانوني الأحادي (1981) وصولاً إلى الشرعنة الدولية المحدودة باعتراف ترامب (2019) والتوسع الاستيطاني المتسارع (2023-2025).

تكشف هذه التطورات عن جملة من الأهداف التي تتراوح ما بين ما هو تكتيكي وإستراتيجي، وسط مؤشرات على رغبة صهيونية في إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، والبحث عن قوى محلية يمكن التعويل عليها كـ"حلفاء ميدانيين"، في إعادة إنتاج نموذج النفوذ الصهيوني في جنوب لبنان خلال الثمانينيات والتسعينيات، مع قوات سعد حداد وأنطوان اللذين تولّيا قيادة ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي الموالي للكيان.

أما في جنوب لبنان، فيتجسد المشروع عبر الدعوة لضم المناطق حتى نهر الليطاني، بتأسيس منظمة "أوري تسافون" (مارس 2024) وعقد "مؤتمر لبنان الأول" (جوان 2024) والسعي لإقامة "محمية صهيونية بقيادة مسيحية"، بهدف إقامة منطقة عازلة ضد حزب الله والسيطرة على نهر الليطاني وتفكيك وحدة لبنان الإقليمية.

وفي قطاع غزة، تعمل آليات التهيئة للاحتلال عبر تدمير منظم للبنى التحتية وإقامة مناطق عازلة (محور نتساريم ومحور فيلادلفيا ومحور موراغ) وتهجير قسري لنقل سكان شمال غزة وتدميرها وتشمل الخطوات العملية لإعادة الاستيطان مؤتمر "بئيري" (أكتوبر 2024) بحضور 12 وزيراً تحت شعار "لا مكان للعرب"، وتسجيل مئات العائلات الإسرائيلية عبر "حركة نحالا"، وإقامة نقاط صلاة ومزارع عند الحدود، رغم المعارضة الأمريكية المؤقتة (إدارة بايدن) والرهان على فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية.

على المستوى الجيوسياسي، يسعى الكيان للسيطرة على الموارد المائية عبر نهر الأردن (الجولان) والحوض الساحلي (غزة) ونهر الليطاني (جنوب لبنان)، مع تفكيك ديموغرافي يستهدف تهجير 2.3 مليون فلسطيني من غزة وعزل تجمعات الضفة الغربية، وإعادة تشكيل تحالفات عبر البحث عن وكلاء محليين (نموذج سعد حداد وأنطوان لحد) وتعزيز التحالف مع قوى متطرفة.

تتكشف اليوم أبعاد المشروع الصهيوني في ذروته التوسعية، حيث تحول الكيان من دولة احتلال إلى قوة استعمار استيطاني ترفض أي حدود، ما يعكس انتصار التيار الميليشياوي (سيطرة أحزاب "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية") وتوظيف صدمة أحداث 7 أكتوبر لتسريع التوسع والرهان على التحولات الدولية.

ورغم الرفض العربي والدولي، يبقى المشروع مهدداً بعوامل داخلية (انقسام سياسي) وخارجية (تصاعد مقاومة الاحتلال)، حيث ستحدد المعركة القادمة قدرة الفلسطينيين على تحويل الأرض المحتلة إلى مقبرة للمشروع الصهيوني، وقدرة المحور الإقليمي على إرساء معادلة ردع جديدة. ما هو مؤكد أن حقبة التسويات المؤقتة قد انتهت، وحل محلها صراع وجودي طويل الأمد سيرسم مستقبل المنطقة لعقود قادمة.

الضفة الغربية من الاستيطان إلى الضم

أيّد الكنيست برلمان الكيان ضم الضفة الغربية وغور الأردن، متجاهلاً القانون الدولي الذي يعتبر الضفة أرضاً محتلة وفق قرارات الأمم المتحدة، ومنذ 2022 إلى 2025 وتحت مظلة حكم اليمين زادت وتيرة المصادرة والبناء، مع مصادرة مساحات في 2023، كما تعددت أدوات الضم غير المباشر، على غرار جدار الفصل العنصري لعزل القدس الشرقية وضم كتل استيطانية مثل "معاليه أدوميم"، والقوانين التمييزية مثل "قانون القومية اليهودية" (2018) الذي يعتبر الاستيطان قيمة وطنية، ودور الأحزاب الدينية، مثل الصهيونية الدينية والقوة اليهودية اللذان يدفعان لتهويد الضفة تحت شعار "أرض إسرائيل الكاملة"، فضلا عن تشكيل وزارة الاستيطان (بقيادة أوريت ستروك) بغية تسريع مصادرة الأراضي وبناء الوحدات السكنية.

قطاع غزة: بين التهجير وإعادة الاستيطان

على خلفية الحرب العدوانية التي أطلقها الكيان منذ أكتوبر 2023، سعى الكيان إلى إعادة بعث خطط إعادة الاستيطان، واحتلال القطاع، مثلما جسدته المؤتمرات الاستيطانية مثل مؤتمر "بئيري" (أكتوبر 2024) الذي دعا لـ"لا وجود للعرب في غزة"، وإقامة نقاط صلاة ومزارع قرب الحدود كخطوة أولى، وتدمير البنية التحتية لتهجير السكان وإفراغ الأرض، والترويج لمشاريع بدعم أمريكي على غرار مشروع "ريفييرا غزة"، وقد تم عقد اجتماع في جويلية الجاري بمعية اليمين المتطرف في البرلمان الصهيوني (الكنيست)، لمناقشة خطة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وضمِّه وتحويله إلى مدينة سياحية فاخرة للصهاينة.

وحمل المخطط عنوان "الخطة الرئيسية للاستيطان في قطاع غزة" ويشمل بناء 850 ألف وحدة سكنية وإقامة مدن ذكية تعتمد على العملات المشفرة، ونظام مترو يمتد عبر القطاع وطرق سيارة وحظائر تكنولوجية ومنتزهات واستوحيت الخطة من فكرة طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في فيفري 2025 عندما تعهَّد بتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" والادعاء بضرورة الاستيطان واحتلال الأرض كحق تاريخي والتزام وطني وأمني، وعلى غرار ما تم في مناطق الضفة لأحداث تغيير ديموغرافي وإحلال سكاني وتهجير الفلسطينيين عبر الهدم والمصادرة كما في الشيخ جراح والقدس، فإنه يتم تحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش بسياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل ومن ثم التهجير القسري.

ويتضح أن السياسة التوسعية الصهيونية لم تعد تكتيكاً مرحلياً، بل إستراتيجية ثابتة لـ"إسرائيل الكبرى"، مدعومة بتحالفات يمينية متطرفة وتواطؤ دولي. ورغم الرفض الذي تقابله، فإن غياب آلية ردع فعلية يجعل الضم واقعاً قائماً. والمعركة القادمة ستحددها قدرة الفلسطينيين والمقاومة على تعطيل هذه الخطط، ودورهم في مواجهة المشروع الصهيوني.