اسلاميات

خطورة استهزاء (مشاهير) التواصل الاجتماعي بأحكام الدين الإسلامي

يتخذ بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي المسلمين الدّين وأحكامه مادة للمزاح وإلقاء النكات وإضحاك الناس

  • 302
  • 3:12 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

يتجرأ بعض مشاهير التواصل الاجتماعي الذين يطلق عليهم مصطلح (المؤثرين) على الاستهزاء أو الانتقاص من تعاليم الدين الإسلامي وأحكامه دون رادع أو خوف؛ مما يتطلب منا تذكيرهم بخطورة هذا الأمر وتنبيههم بعواقبه الوخيمة عليهم وعلى المجتمع الذي ينتمون إليه.

فمع الأسف، هناك فئة من الناس خرجت تلهث وراء الشهرة وتحقيق الربح المادي وتسويق أنفسهم أمام المتابعين لتحقيق هذا الغرض، مطبقين القاعدة الفاسدة (الغاية تبرر الوسيلة)، هؤلاء المشاهير يفتقرون للمؤهلات العلمية الكافية للظهور الإعلامي وتقديم المحتوى المفيد للمجتمع؛ وإن المحتوى الذي يقدمونه محتوى ثقافي هزيل جدا، وربما محتوى يخالف أبسط القيم وأهم المبادئ والثوابت الدينية والاجتماعية وما عليه عادات البلد وتقاليد المجتمع.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ”سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصَدّق فيها الكاذب ويُكَذّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّويبضة، قيل: وما الرويبضة؟، قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”.
ويتخذ بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي المسلمين الدّين وأحكامه مادة للمزاح وإلقاء النكات وإضحاك الناس، عن جهلٍ منهم بخطورة الأمر؛ وكونه قد يندرج تحت الاستهزاء بالدين الذي هو أحد نواقض الإسلام. قال القاضي أبو بكر بن العربي: (إن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو العلم والحق، والهزل أخو الباطل والجهل).

لم يذكر الله تبارك وتعالى الاستهزاء والمستهزئين في كتابه العزيز؛ إلا على سبيل القدح والذم، فليست هذه صفة المؤمنين الطائعين، ولا سمة المخبتين المنيبين، وهذه طائفة من الآيات التي تنقل لنا ديدنَ الكفار في الاستهزاء بالدين: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}.

والاستهزاء بالدين يشمل كل قول أو فعل غرضه الاستهزاء بالله عز وجل ورسوله صلّى الله عليه وسلم، أو الانتقاص من دين الإسلام، أو الاستهانة بأحكام الشريعة، أو السخرية من علماء الأمة والمستقيمين على هدي النبي صلّى الله عليه وسلم، وله صور كثيرة نذكر بعضها:

الاستهزاء الصريح بالنبي صلّى الله عليه وسلم، مثل عتاة الكافرين الذين يرسمون رسوما ساخرة للنبي صلّى الله عليه وسلم، والسخرية ممن يطبق أحكام الشريعة في نفسه أو في بيته أو في أمته، وتسميتهم بالرجعيين أو المتخلفين أو المتطرفين. وانتقاص كلِ من التزم بالهدي الظاهر، كاللحية والنقاب والحجاب، والاستهزاء بحدود الله وأحكامه. يقول الله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما يُنسيَنّك الشيطان فلا تقعد بعد الذِّكرَى مع القوم الظالمين}. قال السعدي في تفسيره: يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر الذي لا يقدر على إزالته.

قال صلّى الله عليه وسلم: ”من دعا إلى هُدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا”، فلينتبه كل مؤثر أو مؤثرة إلى ما يقدمه للناس، فإن كان خيرا فخيرا وإن كان شرا فشرا، ولينتبه أن الشر هنا يدوم فأنت غدا ستموت في يوم من الأيام بعد أن ينقضي أجلك ويبقى عملك السيء، فكما يحث العبد على الازدياد من الأعمال التي تدر عليه حسنات بعد موته، يقول صلّى الله عليه وسلم: ”إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”، فهو في قبره وحسناته تجري فليحذر كذلك من الأعمال التي تجعل سيئاته تجري عليه وهو في قبره، ومن ذلك نشر ما حرم الله سبحانه وتعالى.

فإن قيل ما أسباب ظهور هذه الفئة في المجتمع في الحقيقة أسباب كثيرة، لكن لعل من أبرزها أولا ضعف الوازع الديني وضعف التربية، فالذي يفعل هذه الأفعال للأسف الشديد لا يكون في قلبه خوف من الله سبحانه وتعالى ولا علم بأحكام التشريع وأحكام الشريعة الإسلامية في مثل هذه المواقف. فحري بهؤلاء المتجرئين أن يراقبوا كل كلمة تخرج من أفواههم قبل أن ينطقوا بها، وننبه إخواننا على خطورة هذا الأمر الذي تفشى بين المسلمين اليوم عن جهل منهم بحكمه، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: ”إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار”.