الوطن

التشريعيات: التحضيرات تتسارع..

تفيد معطيات مؤكدة بأن الأحزاب شرعت فعلا في التواصل مع العديد من الوجوه السياسية والأكاديمية المستقلة، إضافة إلى نخب إعلامية ومثقفين، بهدف استقطابهم إلى قوائمها الانتخابية.

  • 2753
  • 2:45 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

تؤشر التحركات المكثفة التي تقودها الأحزاب السياسية، موالاة ومعارضة، على دخول البلاد مرحلة حاسمة قبيل الانتخابات التشريعية المرتقبة في ربيع العام المقبل، وهي الاستحقاقات التي ستفضي إلى تجديد مقاعد المجلس الشعبي الوطني بعد انتهاء عهدته التشريعية. ومع اقتراب الموعد، بدأت الساحة السياسية تستعيد حيويتها تدريجيا، وسط تحضيرات تعكس حجم المنافسة المرتقبة ورهانات المرحلة المقبلة.

في هذا السياق، تفيد معطيات مؤكدة بأن الأحزاب شرعت فعلا في التواصل مع العديد من الوجوه السياسية والأكاديمية المستقلة، إضافة إلى نخب إعلامية ومثقفين، بهدف استقطابهم إلى قوائمها الانتخابية.

وتبدو هذه المساعي جزءا من محاولة توسيع قاعدة المرشحين ومنح القوائم ثقلا سياسيا واجتماعيا يسمح برفع حظوظها في صناديق الاقتراع.

في المقابل، باشرت تشكيلات حزبية أخرى عمليات ميدانية واسعة لاستطلاع حالة قواعدها المحلية والجهوية وتحيين قوائم المناضلين وجس نبض الشارع السياسي حول اتجاهات الرأي العام ومدى مقدرتها على استمالة الفاعلين المحليين، في مقدمتهم أعيان الولايات.

ويرى مراقبون أن التشريعيات المقبلة ستكون مختلفة عن انتخابات 2021، لكونها ستشهد تنافسا أوفر وأوسع، خاصة مع عودة بعض الأحزاب إلى السباق بعد غياب أو مشاركة محتشمة. وفي مقدمة هذه التشكيلات حزب العمال الذي أعلنت أمينته العامة لويزة حنون مشاركة حزبها، مؤكدة أن الحزب سيكون "صوت من لا صوت له" ويمثل الفئات المهمشة والطبقات المتضررة اقتصاديا واجتماعيا. هذه العودة تمنح الانتخابات المقبلة طابعا أكثر حيوية بالنظر إلى الوزن التاريخي للحزب ومواقفه المعارضة.

من جهتها، تبدو جبهة القوى الاشتراكية في موقع متقدم تنظيميا وسياسيا، بعد الديناميكية التي عاشها الحزب خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2024. وقد استفاد الأفافاس، بقيادة السكرتير الأول يوسف أوشيش، من هذا الزخم لإعادة ترتيب بيته الداخلي واسترجاع جزء من حضوره في الساحة السياسية، مستندا إلى خطاب وطني جامع يدافع عن خيارات الحزب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما استفاد الحزب من السمعة الطيبة التي يحظى بها أوشيش لدى النخب، ما يجعله من بين التشكيلات التي ستخوض التشريعيات المقبلة برؤية واضحة وطموحة.

على ضفة الموالاة، شهدت الأيام الأخيرة اجتماعا جمع قادة الأحزاب الأربعة المشكلة للأغلبية البرلمانية والمؤيدة لبرنامج رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، هي جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة البناء الوطني وجبهة المستقبل. وقد أكد قادة هذه الأحزاب دعمهم للإنجازات المحققة خلال السنوات الست الماضية تحت قيادة الرئيس تبون، مع الإعلان عن مواصلة التنسيق خلال الاستحقاقات المقبلة، في مقدمتها التشريعيات والمحليات المرتقبة في 2026. ومن شأن هذا التنسيق أن يمنح الأغلبية الحالية قدرة أكبر على ضبط إستراتيجية انتخابية موحدة وتقديم خطاب سياسي يعزز صورة الاستقرار والثقة لدى الناخبين.

ولا تنفصل التحضيرات الحزبية للتشريعيات عن طبيعة الرهانات التي تطرحها المرحلة القادمة، لاسيما في ظل محيط إقليمي ودولي شديد التعقيد. فالوضع في جوار الجزائر، من ليبيا إلى الساحل والصحراء، إضافة إلى تداعيات الأزمات الدولية، يجعل من البرلمان القادم مؤسسة أكثر محورية في دعم الدبلوماسية الجزائرية ومرافقة خيارات الدولة الإستراتيجية.

أما داخليا، تتزامن الانتخابات التشريعية مع مرحلة تعاف اقتصادي لافتة، بعدما استعادت المؤشرات المالية والاقتصادية توازنها، وفق شهادات عدد من الهيئات المالية الدولية. فعودة احتياطيات الصرف إلى مستويات مريحة وارتفاع نسب النمو وملاءة مالية مريحة، كلها عوامل تمنح الحكومة والبرلمان المقبلين هامشا أوسع لتنفيذ خطط الإنعاش الاقتصادي ومرافقة التحولات الجارية نحو تحرير الاستثمار وتنويع الاقتصاد الوطني.

وفي ظل هذه الظروف، سيكون البرلمان المقبل أمام مسؤوليات مضاعفة، سواء في سن التشريعات الداعمة للانتقال الاقتصادي أو في مراقبة الأداء الحكومي أو في تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات. ومع تزايد وعي الأحزاب بحجم هذه التحديات، يبدو السباق إلى التشريعيات المقبلة أكثر من مجرد تنافس انتخابي، بل سيكون بمثابة اختبار سياسي حقيقي لقدرة التشكيلات الحزبية والنخب السياسية المستقلة، خاصة الشباب، على تقديم بدائل واقعية تعكس حاجات المجتمع وتطلعاته.