ثقافة

"فايار" دار النشر الفرنسية التي استحوذ عليها اليمين المتطرف

لم تكن دار النشر "فايار" يومًا يسارية ولا يمينية رغم نشرها لعدد لا بأس به من كتب رينو كامو غزير الإنتاج، بطل "الاستبدال الكبير". إنها قبل كل شيء دار نشر سياسية بامتياز.

  • 1136
  • 3:18 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

يبرز صعود اليمين المتطرف في فرنسا في أحد أهم وجوهه، وهي الصناعة الثقافية، حيث يتغلغل شيئا فشيئا في الحياة الثقافية، بل وأصبح يعلن عن وجوده، خاصة في مجال النشر؛ بعد تعيين ليز بويل (منذ جوان 2024)، ناشرة العديد من كتب إريك زمور، على رأس دار "فايار" الفرنسية للنشر، أحد أهم دور النشر الفرنسية، والمديرة التنفيذية الجديدة معروفة بقربها من شخصيات يمينية متطرفة. كما أنها مقربة من الملياردير فانسون بولوريه المالك الجديد، التي عملت وتعمل على نشر عدد من الكتب لأسماء من اليمين المتطرف.

لم يكن سحب كتاب "التطهير العرقي لفلسطين" للمؤرّخ "الإسرائيلي" إيلان بابيه سنة 2023 من قائمة مبيعات دار نشر "فايار" أمرا عابرا، بل في الواقع هو بداية لسياسة جديدة لدار النشر، خاصة وأنها تزامنت مع الاستحواذ الفعلي على مجموعة النشر "هاشيت"، التي تضم ضمن فروعها "فايار"، من طرف الملياردير اليميني المتطرّف فانسون بولوريه. تجلت السياسة الجديدة لدار النشر "فايار" في تعيين ليز بويل رئيسةً تنفيذيةً جديدة، وهي أعلى المراتب في إحدى أكبر دور النشر في هاشيت ليفر، وهي نفسها الأولى في فرنسا في هذا القطاع. تُعدّ هذه نقطة تحولٍ للمجموعة، بل وحتى للقطاع، حيث تُدير ليز بويل أعمال العديد من المؤلفين اليمينيين المتطرفين، وبهذا المنصب، أصبحت شخصيةً بارزةً في منظومة بولوريه.

لم تكن دار النشر "فايار" يومًا يسارية ولا يمينية رغم نشرها لعدد لا بأس به من كتب رينو كاموغزير الإنتاج، بطل "الاستبدال الكبير". إنها قبل كل شيء دار نشر سياسية بامتياز، تضم مجموعتها مؤلفين مثل بوريس فيان، وروبرت بادينتر، وعائلة أوباما، وعائلة كلينتون، وهنري كيسنجر.

أما مجموعة الرئيسة التنفيذية الجديدة ليز بويل، فهي شيء مختلف تمامًا وتؤثثها أسماء من اليمين المتطرف: فيليب دوفيلييه، وسونيا مبروك، وإريك زمور ووو... وجوردان بارديلا.

تعيين ليز بويل غيّر الخط الافتتاحي للدار

عقب الإطاحة المثيرة للجدل بإيزابيل سابورتا في منتصف أفريل 2024 بسبب "خلافات إستراتيجية"، تولى وجه جديد إدارة دار "فايار" للنشر، حيث أعلنت دار "هاشيت ليفر"، التابعة لمجموعة فيفندي، عن تكليف "ليز بويل، الناشرة المخضرمة ذات المسيرة المهنية الحافلة بالنجاحات في مجال النشر، بمواصلة تطوير دار نشر فايار في مجالي الأدب الروائي والواقعي، وتعزيز تأثير المؤلفين وفهرس الدار المرموق".

وقد شهدت دار "فايار"، إحدى أقدم دور النشر الفرنسية التي لا تزال قائمة، حالة من عدم الاستقرار الشديد لمدة عامين. وقد تسبب هذا في خسارة الشركة لمؤلفين ناجحين، بمن فيهم الروائية فيرجيني غريمالدي، ثاني أكثر المؤلفات مبيعًا في فرنسا عام 2023. في مارس 2022، استقالت صوفي دوكلوزت من منصبها كرئيسة للدار، بعد أن سئمت من الضغوط السياسية التي، حسب قولها، لم تعد تسمح لها بالعمل بشكل مستقل (حسب بعض التقارير الإخبارية الفرنسية). وحاولت خليفتها، إيزابيل سابورتا، تولي زمام الأمور، لكن بعد أقل من عامين من توليها منصبها، تم فصلها.

رسخت ليز بويل، التي تعمل في مجال النشر منذ عام 1997، مكانتها في هذا المجال كناشرة لمؤلفين يمينيين ويمينيين متطرفين، بدايةً في دار "ألبين ميشيل" حتى عام 2021، ثم في دار "بلون" حتى نهاية عام 2023. ووفقًا لمنتقديها، فإن فإنسون بولوريه، الذي لا يخفي محافظته وكاثوليكيته التقليدية، قد جعل من "فايار" أداةً في خدمة مشروع لنشر أفكاره السياسية.

الرهان على كتب اليمين المتطرف

يُرجّح أن يكون رهان "فايار"، التي وقعت في أيدي الملياردير الكاثوليكي المحافظ فينسنت بولوريه عام 2024، النشر لأسماء من اليمين المتطرف. لكن على الرغم من الأرباح الطائلة التي حققتها دار النشر العام الماضي بفضل مؤلفيها اليمينيين المتطرفين في المكتبات، لاسيما بيع 226 ألف نسخة من كتاب "ميموريال" لفيليب دوفيلييه، شهدت إيراداتها انخفاضًا بنسبة 28%.

وجاء التقييم الأول متباينًا للمديرة الجديدة، ليز بويل، التي تشغل منصبها منذ جوان 2024. وتُعرف هذه المرأة بنشرها كتاب إريك زمور مع ألبين ميشيل، حيث ساعدته في بناء ثروة مما ساهم بشكل كبير في مسيرته السياسية.

وسيصدر قريبا لاريك زمور مجموعة جديدة من الكتب مع "فايار" في مقدمتها كتاب بعنوان "القداس لم يُقال" وذلك في 22 أكتوبر، وهذا بعد كتاب "لم أقل كلمتي الأخيرة" (2023) و"فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة" (2022). ومن جانبه وحرصًا منه على مواصلة المسيرة التي بدأها قبل عام، أصدر فيليب دوفيلييه جزءًا ثانيًا بعنوان "إبادة الشعب".

كما انضم الصحفي والفيلسوف والكاتب الفرنسي آلان دوبنوا إلى دار نشر "فايار". هذا المنظر، المجهول لدى عامة الناس والمحبوب من اليمين المتطرف، هو زعيم "اليمين الجديد"، وهي مدرسة فكرية سياسية تدعو إلى "أوروبا بيضاء"، تنشر له دار "فايار" أعماله.