قررت المحكمة الدستورية عدم مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، وأبلغت إدارة المجلس بتحفظاتها وملاحظاتها على نحو عشرين مادة منه، خالفت الدستور وتضمنت واستحدثت عناصر قانونية "غير دستورية".
علمت "الخبر" من مصدر مسؤول أن المحكمة الدستورية أصدرت قرارا في 15 جويلية الماضي، بعدم مطابقة النظام الداخلي المصادق عليه في 17 مارس الماضي.
وتحركت المحكمة الدستورية انطلاقا من إخطار رئيس الجمهورية، الذي عمل بالمادة 190 من الدستور، وبالمادة 84 من القانون نفسه، التي تنص على أن الرئيس هو حامي الدستور.
ومن حيث الموضوع ومضمون القرار، الذي اطّلعت "الخبر" على نسخة منه، فإن المحكمة الدستورية "صححت" نحو عشرين مادة من الوثيقة، أهمها المادة 92 التي، وفق القضاة، منحت مكتب المجلس "سلطة تقديرية" في قبول أو رفض اقتراح المعارضة بعقد جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال، ولم يقيد النص مكتب المجلس في حالة رفض الاقتراح إلا بمجرد: "تعليل الرفض".
في حين أن هذه السلطة التقديرية الممنوحة لمكتب المجلس، يضيف القرار "تعطل الحق الثابت دستوريا للمعارضة بموجب المادة 116 فقرة (2). وألزم القرار بـ"ضبط وتقييد سلطة مكتب المجلس في رفض اقتراح المعارضة بعقد جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال"، بالسببين المذكورين في الفقرة الأولى من المادة 92 دون غيرهما، وهما: عدم اختصاص المجلس بجدول الأعمال المقترح أو إدراج جدول الأعمال المقترح في أعمال الدورة التشريعية الجارية.
كما توقفت المحكمة عند إشكالات في المادة 38 من النظام الداخلي لتضمنها "حكما مفاده، تغيير عضوية النائب الذي تغيب ثلاث مرات متتالية عن لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات، وكذلك لجنة الميزانية والمالية، واستخلافه بعضو جديد".
وارتأت المحكمة أن هذا الحكم الخاص باللجنتين الدائمتين المذكورتين، دون بقية اللجان الدائمة الأخرى، من شأنه أن "يحدث وضعيتين مختلفتين بين اللجان الدائمة داخل المجلس الشعبي الوطني، وبالنتيجة نكون أمام مراكز قانونية مختلفة تتعلق بنفس الجهة، وهذا يخلق وضعا غير متساو بين النواب، ويمس بمقتضيات المادتين 35 و37 من الدستور".
وعللت المحكمة رفضها للمادة بالقول: "فرضت المادة 118 من الدستور، علاوة على التزام التفرغ للعهدة البرلمانية، وجوب المشاركة الفعلية في أشغال جميع اللجان والجلسات العامة، والحال أن المادة 38 من النظام الداخلي اكتفت باشتراط وجوب المشاركة الفعلية في أشغال لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات ولجنة الميزانية والمالية دون بقية اللجان الأخرى، تحت طائلة العقوبات في حالة الغياب بالنسبة للجنتين المذكورتين فقط".
ومن المواد التي رأت المحكمة عدم مطابقتها للدستور المادة 93 في فقرتها الأولى بصياغتها التالية "تصبح مناقشات المجلس مهما كان عدد النواب الحاضرين"، مشيرة إلى أن هذه الصياغة تثير تحفظات جدية على ضوء المبادئ الدستورية الحاكمة للعمل النيابي.
وعللت المحكمة تحفظاتها بالقول "ذلك أن النقاش البرلماني، في فلسفته الدستورية ووظيفته الديمقراطية، لا يمكن اختزاله إلى مجرد إجراء شكلي يفتقر إلى الحد الأدنى من التمثيل السياسي، فهو يمثل لحظة مركزية في الحوار الوطني ومناقشة القضايا العامة في إطار علني، تعدّدي وتشاركي".
ومن ثمة، فإن إجازة انعقاد مناقشة عامة مهما كان عدد النواب الحاضرين، تتابع الجهة القضائية، "تعد ترخيصا ضمنيا لعقد جلسات صورية، تفتقد إلى الجدية المؤسساتية المطلوبة، وتفرغ مبدأ التداول البرلماني للقوانين المعروضة أمامه من مضمونه".
كما بررت المحكمة موقفها بالمادة 118 من الدستور التي تنص على "تفرغ النائب كليا لممارسة عهدته بوجوب المشاركة الفعلية لأعضاء المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة في أشغال اللجان وفي الجلسات العامة، وأن هذه المشاركة لا تجد مجالا فعليا للتجسيد إلا ضمن بيئة تداولية حقيقية، يكون فيها النقاش البرلماني جماعيا ومفتوحا، لا صوريا ومقصورا على حضور رمزي لا يعبر عن تعددية الهيئة".
وبالنسبة لقضاة المحكمة، فإن الفصل بين النصاب الواجب للتصويت (حضور أغلبية الأعضاء والنصاب غير المحدد للمناقشة حتى ولو كان نائبا واحدا) يؤدي إلى إفراغ المبادئ العامة للعمل البرلماني، وفي مقدمتها التفرغ الممارسة العهدة ومبدأ التمثيل الفعلي والجدية الإجرائية، من مضمونها. ولذا رأى القضاة أن إطلاق عبارة "مهما كان عدد النواب" دون قيد أو حد أدنى، يمكن، نظريا وواقعيا من انعقاد جلسات مناقشة بحضور عدد محدود جدا من النواب، بما ينعكس سلبا على صورة المؤسسة التشريعية لدى الهيئة الناخبة، وعلى جودة النقاش العام.
وعليه، فإن المحكمة الدستورية وجّهت المجلس بضرورة تعديل صياغة الفقرة الأولى من المادة 93، بما يضمن التوفيق بين ضرورة المرونة الإجرائية ووجوب احترام الحد الأدنى من التمثيل النيابي في جلسات النقاش.
كما اعتبر القضاة الفقرة الأولى من المادة 93 بصيغتها الحالية، وإن لم تخالف نصا دستوريا صريحا، فإنها تُخلّ بروح الدستور وبمتطلبات الديمقراطية التداولية، على أساس "يفهم منه أيضا نوع من الشرعنة القانونية للعزوف البرلماني، أو التساهل في الانضباط النيابي"، داعية إلى إعادة صياغتها كالآتي "لا تفتح المناقشة العامة إلا إذا كان عدد النواب الحاضرين كافيا في حدود معقولة لضمان الجدية في التمثيل".
ورفض قضاة المحكمة أيضا مطابقة المادة 94 لكونها سمحت لمكتب المجلس بأن يقرر عقد جلسات المناقشة العامة أو جلسات التصويت باقتصار الحضور على: "نواب الرئيس ورؤساء المجموعات البرلمانية وأعضاء مكاتب اللجان الدائمة، وممثل عن النواب غير المنتمين"، وذلك في حالة القوة القاهرة أو حدوث ظروف استثنائية غير متوقعة تحول دون عقد المجلس لجلساته.
واعتبر القضاة أن هذا النص من النظام الداخلي، قد أحدث "تدبيرا استثنائيا خاصا، يمس بشكل عميق، في سير وعمل المجلس الشعبي الوطني"، مشيرين في قرارهم إلى أن ذلك يسمح بتسيير أشغال المجلس وتقرير مصير النصوص القانونية المبرمجة في جدول الأعمال، من طرف ممثلي أجهزة وهيئات المجلس فقط، دون حضور بقية النواب، وهو ما لا يوجد له أساس في أحكام المواد من 97 الى 101 من الدستور، الخاصة بالظروف الاستثنائية".
وبالنتيجة تكون المادة 94 برمتها غير مطابقة للدستور، ويتعين بالتالي حذفها، يضيف القرار. وتتعلق باقي التحفظات بعناصر لغوية ومفاهيم قانونية وردت في عدة مواد ودعت إلى تصحيحها.
وكان عدد من الكتل البرلمانية قد أبدى تحفظات على مشروع القانون أثناء الإعداد والمناقشة.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال