اسلاميات

إرهاب الطرقات.. إلى أين؟!!

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: ”إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة

  • 205
  • 2:30 دقيقة
الشيخ عبد المالك وضح*
الشيخ عبد المالك وضح*

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: ”إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة”.
من نعم الله تعالى الكثيرة التي لا نحصي لها عددا، نعمة وسائل النقل بأنواعها، فإنها نعمة لمن استعملها في مرافق حياته المباحة. فالشريعة الإسلامية إنما جاءت بحقن الدماء والمحافظة عليها: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، وفي الصحيح: ”من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة، في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا”، وفي الصحيح أيضا: ”من قتل نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة”. ففي هذه الآية وفي الأحاديث التي مرت معنا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن يلقي السمع وهو شهيد.

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الأنفس، وتجنيبها العطب والتلف، وإن من إلقاء النفس للتهلكة وتعريضها للعطب ما يفعله كثير من الشباب الطائش من قيادة السيارة بسرعة جنونية تفقد السائق بسببها التحكم فيها، مما يؤدي إلى العطب أو الموت له أو لغيره من الناس.
لقد قرر أهل العلم أن سائق السيارة إذا كان لا يعرف القيادة، وقاد السيارة بدون معرفة، ثم حصل له حادث ثم مات، فقد عرض نفسه للإتلاف، ولأنه لم يأخذ بالأسباب الواقية وهي معرفة القيادة، إذا فهو داخل تحت الوعيد الشديد الذي مر آنفا في الأحاديث الصحيحة والآية الكريمة. وأيضا، فإن السائق إذا تعدى السرعة التي تمكنه من التحكم بالسيارة، ووقع الحادث ومات، فهو داخل تحت الوعيد الشديد؛ لأن من فعلِ الأسباب الرفق، وعدم السرعة التي تهدد حياته وحياة البشر، فكم نرى وكم نسمع بالحوادث وكل ذلك سببه السرعة وعدم معرفة القيادة.

ومع وضوح الأمر وجلائه، فإننا نرى أرواحا تزهق، ونساء تُرمَّل، وأطفالا تُيَتَّم، وإعاقات مستديمة، وآلاف الملايين تهدر، فواجع تصل إلى حد الهلع، ترى أطفالا في مقتبل العمر ما حالهم وقد فقدوا عائلاتهم، وما حال تلك المرأة وقد فقدت من يرعاها ويرعى أطفالها، وما حال الأسرة وقد حل بها معاق، علاجه مكلف، والكد عليه مرهق، أصبح مقعدا عاجزا، عالة على أهله ومجتمعه، بسبب ماذا كل هذا؟ بسبب فعل متهور، وتصرف طائش وعمل غير مسؤول.

تُرى ماذا يبقى إذا هانت الأرواح واسترخصت الدماء، وإلى أي هاوية هؤلاء ينحدرون، لقد فاضت نفوس زكية ودماء بريئة، فمتى يهتدي الضالون، ومتى يستفيق الغافلون، كل هذه المصائب، وكل هذه المآسي راجعة إلى الإخلال بحق الطريق، والتفريط في آداب المسير، والإهمال في قواعد المرور، فالطريق لم يوضع من أجل أن يتصرف فيه الضالون بسياراتهم كيف يشاؤون، متجاوزين الخلق الحسن، إن الطرق هي مسالك الناس إلى شؤونهم ومعابرهم، وإلى قضاء حوائجهم، وهي دروبهم في تحركاتهم، وتحصيل منافعهم، وهي سبيلهم إلى أسواق التجارة وكسب المعاش، وهي منافذهم إلى المدارس ودور العلم والمساجد، وكل أنواع الحركة والتنقلات.

إن الحوادث في ارتفاع كل يوم، ومع ذلك لم نر القلوب تتعظ وترعوي، فكم ترى من جثث تحت السيارات، وكم ترى اللحم وقد اختلط بالحديد، ومع ذلك فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا نفس تتعظ وتنتهي عن غيّها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.. والله ولي التوفيق.

*إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي