تحوّل الصالون الدولي للكتاب، الجارية فعالياته منذ أول نوفمبر، إلى مقصد كل فئات المجتمع بمن فيهم الذي لا يعير اهتماما للكتب والمحاضرات أو الجلسات التي تنعقد في فضاءاته.
تمايزت دور النشر في المعرض، بعضها عن بعض، من حيث الجمهور والاهتمامات وأسلوب الاتصال والتسويق والعناوين المقترحة والفئات المستهدفة. وشد الانتباه بأن الزوار انقسموا إلى ثلاث أو أربع فئات، في مقدمتهم الشباب الشغوف بالفنتازيا والتجارب الاجتماعية، وتراه مترددا على دور النشر المتخصصة في هذا النوع الأدبي، باحثا عن روايات وقصص الخيال والمغامرات الرومانسية وكتابات أفقية من عمق المجتمع، ككتاب "عقلية" و"خوارزميات الأنثى"، للكاتب الشاب محمد بليلي، الذي يتضمن، بحسب صاحبه، أفكارا مقترحة للقارئ تساعده على إحداث تغييرات إيجابية وجوهرية في فهم وعيش الحياة.

وفي دردشة مع الكاتب، على هامش جلسة توقيعه لكتابيه، بدا بأنه رياضي مفتول العضلات واختار تنويع كتبه من عالم الرياضة إلى التجارب الاجتماعية، من منطلق ملاحظته بأن اهتمامات وتفاعلات وتعليقات الشباب تميل إلى كل ما هو اجتماعي وواقعي.
وفي كتاب "خواريزميات الأنثى"، يقدم الكتاب "وصفة" للفتاة وللأمهات لتنشئة الأنثى من المهد، في خطوة كسرت احتكار كتابة الأنثى عن أنوثتها دون غيرها.
رائحة السياسة تنبعث وترامب حاضر
توافد الشباب على دور النشر المختصة في هذا النوع من الكتابات، لم يحجب شهرة وشهية الكتب الفكرية والسياسية والأنواع الأدبية الأخرى، فكتاب "تانغو الخراب" للأديب الفائز بجائزة نوبل للعام الجاري، لاسلو كراسناهوركاي، نفد في اليوم الثالث، وهي تحفة أدبية سوداوية تدور أحداثها في قرية معزولة، ولم تكن مطروحة ضمن تكهنات الأوساط الأدبية للفوز، بالرغم من أن الكاتب كان مرشحا في القائمة التي عادة ما تسبق الإعلان الرسمي عن الفائز.
وبملاحظة حركة الصالون ومسح فضائه، يتضح أن ثمة اهتماما متزايدا بالكتب السياسية والفكرية التي تحلل وتفكك العلاقات الدولية واتجاهات عالم اليوم، ومنها على سبيل المثال الكتب التي يعرضها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" مثل: "ضد التيار" لإزايا برلين و"الدولة المستحيلة" للمفكر الفلسطيني وائل حلاق، وعناوين أخرى مثل "الديمقراطية المستحيلة".

وضمن هذه الفئة برز أيضا كتاب حول رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعالم العربي، لمجموعة دكاترة، يتقدمهم الدكتور حسني عبيدي، الصادر عن دار "بيسان" ومعروض في دار "ميديا بوكس"، ونال اهتماما كبيرا وسط الزوار، بحكم مضمونه وأيضا بالنظر لشهرة صاحبه في تحليل الحدث السياسي في كبريات القنوات الإخبارية الدولية.
ويمكن اشتمام رائحة السياسية أيضا، في فضاءات الملتقيات والندوات ضمن البرنامج الثقافي، وفي غياب العديد من دور النشر الفرنسية، تأثرا بالأزمة القائمة بين الجزائر وباريس.
وبرزت في برنامج الندوات، مواضيع حول قضية الصحراء الغربية والعلاقات مع موريتانيا بوصفها ضيف شرف الطبعة، والأمير عبد القادر بعنوان "ميراث مستمر"، والقضية الفلسطينية والإبادة في غزة وندوة حول "الهوية الجامعة من نوميديا إلى اليوم"، و أخرى حول "خطاب ما بعد الكولونيالية.. حاجة العالم إلى قيم إفريقية".
مشاهير الأدب وسط الجمهور
ما ميز الحدث أيضا، احتكاك الجمهور مباشرة مع الكتاب والمؤلفين والانخراط في أحاديث مطولة على هامش جلسات التوقيع، ولوحظ أن هذه الفضاءات سمحت للقارئ بانتزاع مشاهير الأدب والفكر من الصحفيين والشاشة وجلبهم إلى فضائهم لطرح الأسئلة التي لم تطرح على الشاشات ومناقشة المواضيع التي لم تناقش في الاستوديوهات.
وبرز من هؤلاء، أمين الزاوي متفاعلا مع قرائه، وواسيني الأعرج متجولا بمعية قراء من الجيل الجديد، ورشيد بوجدرة منخرط افي حكايات مع شباب يتبنى أفكاره اليسارية.
وضمن الأيقونات التي ميزت الصالون، الذي استقبل في طبعته السابقة أزيد من 4 ملايين زائر، بحسب إحصائيات المحافظة، حضور الموسيقي والملحن العالمي، مارسيل خليفة، صاحب روائع خالدة في تلحين قصائد الشاعر الفلسطيني الكبير، محمود درويش، غير أنه لم يلق الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام، بوصفه واحدا من الأصوات التي وثقت وأرّخت للقضية الفلسطينية موسيقيا وفنيا وساهمت في تدويلها وجعلها عالميّة.

وفي سياق الحضور الدولي، لاحظت "الخبر"، اهتمام الجمهور بأعمال المفكر الفلسطيني الكبير الراحل إدوارد سعيد، بالرغم من غلائها، وهي أعمال عابرة للزمن فككت المركزية الغربية ونظرتها للشرق، على غرار كتاب "الاستشراق" و"الثقافة والإمبريالية" و"السلطة والسياسة والثقافة".
وبنفس الشغف، تشهد أعمال المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، خصوصا موسوعته الشهيرة "اليهود واليهودية والصهيوينية" و"العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" وغيرهما من المؤلفات المرجعيين في الفكر والسياسة.
ووسط هذا الزخم، يتناقش الفاعلون في الحقل المعرفي والأدبي في الفضاءات المخصصة للندوات، ويتبادلون رؤاهم حول شتى القضايا، خاصة قضايا الراهن المتعلقة بالعلاقات الدولية واضطراب العالم والحروب والإبادة في غزة والطغيان الغربي والهويات القاتلة والصراعات الحضارية والثقافية.
وبشأن آراء الجمهور حول التنظيم وما يجب أن يضاف للمعرض، رصدت "الخبر" ملاحظات حول ضرورة إعادة النظر في توزيع فضاءات الندوات وخلق مساحات إشهارية أوسع للكتاب والضيوف الذين يأتون لتوقيع مؤلفاتهم، منطلقين من معاينات تسجل انخفاضا لافتا في حضور بعض الندوات المهمة وبعض جلسات التوقيع، رغم أهمية وشهرة المؤلفات، بما يعني أن المشكل في مسألة الاتصال والترويج، وليس في مضامين الكتب والمؤلفات والمحاضرات.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال