الوطن

التوقيت المدرسي يثير النقاش

برزت عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مطالب تدعو إلى إعادة النظر في تنظيم الزمن المدرسي.

  • 34590
  • 3:46 دقيقة
الصورة: "الخبر"
الصورة: "الخبر"

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في الأيام الأخيرة، مطالب بتعديل التوقيت الدراسي، وإن كانت غير رسمية ولا أساس لها من الصحة، إلا أن طرح هذا التغيير، في حد ذاته، يحتاج نقاشا معمقا حول مدى توافق التوقيت المطبق حاليا مع طاقة استيعاب التلميذ، وطبيعة البرنامج الدراسي، ولمَ لا مقارنته مع ما هو معمول به في مختلف الدول التي قطعت أشواطا في جودة التعليم التي تسعى وزارة التربية إلى بلوغها.

في تعليقه على هذه المطالب والانشغالات، أكد الناشط التربوي يوسف رمضاني بأنه في الآونة الأخيرة برزت عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مطالب تدعو إلى إعادة النظر في تنظيم الزمن المدرسي، وذلك من خلال اعتماد فترة دراسة متواصلة تمتد لست ساعات كاملة، أو عبر تقليص مدة الحصة الدراسية الواحدة.

ورغم أن هذه المقترحات، يقول محدثنا، تعكس اهتماما جديا بالشأن التربوي، وحرصا على تحسين ظروف تمدرس التلاميذ، إلا أن تجسيدها على أرض الواقع، في المرحلة الحالية، يظل أمرا صعب التحقيق لعدة أسباب موضوعية وبيداغوجية وتنظيمية.

والبداية، يضيف رمضاني، كون الزمن المدرسي ليس مجرد أوقات دخول وخروج للتلاميذ، بل هو عنصر مدمج في البنية البيداغوجية العامة للمناهج التعليمية، التي أُعدت وفق منهج المقاربة بالكفاءات، تراعي التدرج في المعارف والمهارات، حيث يتم توزيع الحصص على مدار الموسم الدراسي، بشكل يضمن التوازن بين المواد الأساسية والتكميلية، وبين الأبعاد المعرفية والمهارية والقيمية.

وأضاف المتحدث ذاته أن أي تعديل في هذا التوازن يتطلب مراجعة شاملة للمناهج والبرامج الدراسية، بما في ذلك الكتب المدرسية وخطط التقييم، وهو أمر لا يمكن أن يتم بقرارات آنية أو انفعالية. كما أن البعد القانوني والتنظيمي حاضر بقوة؛ إذ أن توقيت العمل التربوي مرتبط بالقانون الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية، وما يتضمنه من حقوق وواجبات، ومحددات زمنية لساعات العمل، إضافة إلى ما هو مقرر في قانون الوظيفة العمومية. وبالتالي، فإن أي تغيير في توقيت الدخول والخروج، يقول يوسف رمضاني، لا يقتصر على الجانب البيداغوجي فحسب، بل يستدعي مراجعة قوانين وتشريعات تنظيمية معمقة تمس الإطار القانوني للعاملين في القطاع.

وأشار رمضاني في السياق ذاته، إلى اعتبارات واقعية أخرى، لا يمكن القفز عليها، من بينها النقل المدرسي الذي يعد هاجسا يوميا للآلاف من التلاميذ، خاصة في المناطق الريفية والضواحي، حيث يتم ضبط جداول النقل وفق التوقيت الحالي.

كما أن حياة الأسر الجزائرية مرتبطة بشكل وثيق بهذا التنظيم الزمني، مما يجعل أي تغيير جذري في أوقات التمدرس، مؤثرا على التوازن الاجتماعي والعائلي، ناهيك عن التزامات المؤسسات التربوية باستغلال فضاءاتها بشكل مدروس، سواء للأنشطة الموازية أو حصص الدعم والإرشاد، وهو ما قد يتأثر سلباً في حال إقرار توقيت موحد أو حصص زمنية أقصر.

وانطلاقاً من كل ما سبق، يضيف محدثنا، يمكن القول بأن هذا المطلب، في صيغته الحالية، يبقى مستبعد التطبيق الفوري، كونه يحتاج إلى دراسة معمقة، تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب البيداغوجية والقانونية والتنظيمية والاجتماعية، حتى لا يتحول أي قرار "متسرع"، إلى عامل إرباك للمنظومة التربوية، بدل أن يكون وسيلة لإصلاحها.

ومع ذلك، يبقى هذا الملف، حسبه، قابلا للنقاش والدراسة المستقبلية، من طرف السلطات العليا للبلاد، في إطار الإصلاحات الكبرى التي تعرفها المنظومة التربوية، وبما يخدم مصلحة التلميذ أولا وأخيرا.

يعتمد أغلب المؤسسات التربوية عبر الوطن نظام التوقيت المزدوج، حيث تبدأ الحصص على الساعة الثامنة صباحاً، لتتواصل إلى منتصف النهار، ثم تستأنف من الواحدة زوالاً إلى الخامسة مساءً. غير أن هذا النمط بات محل انتقاد بسبب طول يوم التلميذ وتشتت جهوده بين فترتين. في المقابل، ظهر خيار "التوقيت المستمر" من الثامنة صباحاً إلى منتصف النهار، ثم حصة قصيرة بعد الظهر، وهو ما يراه مؤيدوه أكثر ملاءمةً لخصوصية المجتمع الجزائري.

مختصون يدقون ناقوس الإنهاك المدرسي

يرى الدكتور عبد القادر بوزيان، باحث في علوم التربية، أن طول يوم التلميذ ينعكس سلباً على استيعابه: "التلميذ الجزائري يقضي في بعض الأيام أكثر من ثماني ساعات بين الدراسة والتنقل، وهو ما يفوق طاقته النفسية والجسدية، خاصة في الطور الابتدائي.. ينبغي أن نعيد النظر في توزيع الزمن المدرسي بما يتماشى مع قدرات الطفل".

من جهتها، تقول الأخصائية في علم النفس التربوي، سلمى بن ناصر، إن التوقيت الحالي يفاقم الضغط الأسري والاجتماعي: "عودة الأطفال في ساعات متأخرة تُربك توازن الأسرة وتقلص فرص المتابعة المنزلية.. تقليص عدد الفترات وتبني توقيت أقصر وأكثر تركيزاً، سيُحسن جودة التعلم".

وأظهرت تجارب تربوية في بعض الدول أن تقليص ساعات الحصص اليومية مقابل التركيز على الجودة بدل الكم، ساعد على رفع مستوى التحصيل. وفي هذا السياق، يقترح خبراء جزائريون تبني "نظام مرن" يسمح بتكييف التوقيت حسب الخصوصيات المحلية، خصوصاً في المناطق الريفية والصحراوية حيث مسافات التنقل طويلة وظروف المناخ قاسية.

ويُجمع المختصون على أن النقاش حول توقيت التدريس ليس مسألة شكلية، بل هو جزء من إصلاح أوسع للمنظومة التربوية. وبين المطالب النقابية، وتطلعات الأولياء، وتوصيات الباحثين، يبقى الرهان قائماً على صياغة نموذج جزائري للتوقيت المدرسي يوازن بين متطلبات التعلم، والصحة النفسية والجسدية للتلاميذ، والانسجام مع نسق الحياة الاجتماعية والاقتصادية.