لا أحد يمكن له أن يزايد على الموقف الجزائري، الرسمي والشعبي على حد سواء، ولا يحق لأي أحد أن يشكك في صدقية دعمها للشعب الفلسطيني، أولا وأخيرا. لكن "لا تلم كفي إذا السيف نبا صح مني العزم والدهر أبى".
إن القرار 2803 صيغ مثلما ذكرته الولايات المتحدة الأمريكية منتصف شهر أكتوبر بناء على مقترحات تم تقديمها من قبل كل من قطر ومصر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، ولا يمكن لهذه الدول أن تنكر أن القرار قدم بناء على طلبها. فمنذ قمة شرم الشيخ ما انفكت القيادتان المصرية والقطرية خاصة تدعوان علانية، بل ومرارا وتكرارا، لاعتماد قرار يثبت اتفاق وقف إطلاق النار، وهو مطلب عارضته إسرائيل، في موقف يدل على سذاجة الدول العربية وخبث الكيان الصهيوني.
كما أن القرار في أغلب مناحيه يرتكز على خطة الرئيس ترامب للسلام المعروفة بخطة النقاط العشرين والتي قبلتها حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، مطلع أكتوبر الماضي، وانخرط في إعدادها مع الولايات المتحدة الأمريكية ثماني دول عربية وإسلامية وازنة هي قطر ومصر والمملكة العربية السعودية والأردن وتركيا والإمارات العربية المتحدة وباكستان وأندونيسيا.
والمثير للاهتمام أن حماس والفصائل، قد وافقت على الخطة وهي تتضمن إنشاء مجلس السلام برئاسة الرئيس ترامب وتتضمن نشر قوة دولية، كما تتضمن نزع السلاح بغزة.
فهل كانت حماس والفصائل تعتقد أنها ستتملص من تنفيذ الالتزامات وتراوغ ساكن البيت الأبيض بعد إعلان وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى بموجب المرحلة الأولى من الخطة؟ ثم لماذا تأخر رفض الفصائل حتى ليلة التصويت؟ هل هو حقا معارضة صادقة، أم هو جزء من مناورة داخلية لعزل "فتح" و"السلطة" بشكل أكبر؟
لكن الذي يثير الاستغراب ويحتاج حقا للبحث والاستقصاء هو التناقض بين موقف حماس المعلن في آخر لحظة، والذي عليه علامات استفهام وتعجب عديدة، وموقف قطر وتركيا، أقرب حلفائها. فتسعة من بين خمس عشر دولة بالمجلس، خلال التصويت على القرار 2803، بما فيها الصين وروسيا، بررت موقفها بدعم السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية، في إشارة لمجموعة الثمانية، للقرار.
الغريب أنه حتى باكستان النووية، وهي جزء من مجموعة الثمانية، بررت موقفها بدعم السلطة الفلسطينية والدول الثمانية، بمعنى آخر لولا دعم الدولة العربية والإسلامية، خاصة تركيا وقطر، كان القرار 2803 سيسقط لا محالة، سواء بقلة الدعم أو بـ"الفيتو" الروسي الصيني. فهل كان هذا الدعم بتنسيق مع حماس مثلما يجب أن يكون؟
وبحسب أحد المطلعين على مجريات العملية التفاوضية، فإن البيان الذي صدر يوم الجمعة من قبل الدول الثمانية دعما للقرار والذي تلاه دعم السلطة الفلسطينية، كان الحجر المرجح في التفاوض وهو الذي أغلق الباب أمام تحسينات إضافية، كان الجانب الجزائري يراها في المتناول. فالجانب الأمريكي لم يجد نفسه بعد دعم الدول الثمانية في حاجة لتقديم مزيد من التنازلات بعد أن عزل كلا من الجزائر، الصين وروسيا.
حيث لا يخفى على اللبيب الإشارة التي وردت في بيان المندوب الدائم للجزائر، السفير عمار بن جامع، حين قال بأن الجزائر بقيت تعمل حتى النهاية باسم المجموعة العربية وبصفتها الوطنية، على تحسين النص. فهذا دليل على تفكك الصف العربي بعد بيان الثمانية وأن الجزائر رغم ذلك بقيت تناور لوحدها بعد أن تخلى عنها القريب والبعيد. فلولا إصرار الجزائر لما تمت إضافة اللغات المتعلقة بحق تقرير المصير وإقامة الدولة والانسحاب الإسرائيلي من غزة إضافة إلى تثبيت وقف إطلاق النار.
كما كان المندوب الدائم الأمريكي واضحا، حين قال إن الدول الثمانية قبلت القرار والسلطة الفلسطينية كذلك وأنه لا يمكن أن تكون "أكثر كاثوليكية من القس". فأضحى أي موقف غير دعم النص، مزايدة وخروجا عن الصف العربي الإسلامي يجد صاحبه نفسه لوحده في مواجهة الأمريكي المدعوم عربيا، من دول معادية همها وأملها رؤية الجزائر منكسرة. كما أن الامتناع الصيني الروسي كان نتيجة تنسيق مع الجانب الأمريكي ويتعلق بدور مجلس الأمن وليس بسبب موقفها من منطوق القرار.
في هذه الأجواء، كانت الأمور محسومة من قبل أن يتم التصويت، والقرار 2803 اعتمد قبل الجلسة، في ظل هذا الظرف ما الذي كان سيغيره موقف جزائري بعيد عن الإجماع العربي والدولي. إن السياسي الحصيف يسدد ويقارب ولا يتحرك بناء على أهواء ما يريده المستمعون.
هذه هي الصورة الكاملة ومن يزايد على موقف الجزائر، لا يوجد ما يمكن الرد به عليه أحسن من بيت الأعشى: "كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل".
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال