العالم

الصحراء الغربية: من الرابح ومن الخاسر؟

لطالما كانت قضية الصحراء الغربية أطول نزاع لتصفية الاستعمار في أجندة الأمم المتحدة.

  • 4738
  • 5:16 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

مع صدور قرار مجلس الأمن الأخير، الذي جاء بعد تأخيرات وتعديلات متعددة على المسودة الأصلية التي قدمتها الولايات المتحدة، برز المشهد الدبلوماسي معقداً وملتبساً، إذ يرى كل طرف في القرار نصراً، بينما يشير المحللون إلى أن النص ذاته "غير قابل للتطبيق" عملياً بسبب تناقضاته الداخلية.

هذا القرار، الذي فضلت الولايات المتحدة أن تكون صاحب مبادرته بالتشاور مع فرنسا وبريطانيا، أثار تساؤلات جوهرية: من الخاسر ومن الرابح الحقيقي من هذا التصويت الدولي؟ إن تحليل قرار مجلس الأمن رقم 2797 بشأن الصحراء الغربية هو بالفعل موضوع معقد ومثير للجدل، حيث تبدو النتائج كلوحة مركبة لا يمكن فهمها بقراءة واحدة.

للتذكير صوتت لصالح القرار 11 دولة من الدول الـ15 الأعضاء بمجلس الأمن، في حين امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر في التصويت.

المغرب: كيف يسوّق وهم "الرابح" رغم هشاشة القرار؟

شهد المغرب حالة من الابتهاج بهذا القرار، معتبراً إياه تتويجاً لجهود كبيرة. ومنذ صدور القرار اعتبر المغرب أن إدراج مبدأ الحكم الذاتي، الذي ذُكر أكثر من مرة في نص القرار تقدماً في الموقف المغربي الذي يدافع عن مبادرته للحكم الذاتي منذ طرحها عام 2007.

إن إدخال مبادرة الحكم الذاتي في قرار لم تعترض عليه أي دولة "يُعد استثماراً دبلوماسياً كبيراً" حسب الطرح المغربي. لكن ما لا يذكره هذا الطرح هو أن هذا "التقدم" جاء مصحوباً بهشاشة قانونية وسياسية.

فالقرار لا يمكن أن ينادي بضرورة الحكم الذاتي ثم يقر في الفقرة ذاتها بضرورة الاستماع لجميع الأطراف والحل المقبول والدائم للطرفين، مما يجعله متناقضاً. بالإضافة إلى ذلك، يرى الدبلوماسيون أن القرار هو ترجمة سياسية وليست قانونية، إذ ما زالت القضية مدرجة في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار.

كما يجب التنويه بأن ما يعتبره المغرب بأنه "مكسب دبلوماسي"، كان ترجمة لمقايضة مهمة، وهي اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية مقابل الاعتراف بإسرائيل، ضمن ما يسمى باتفاقيات أبراهام.

هذا النوع من "الدبلوماسية الصفقاتية" لا يتوافق مع الأسس المذهبية للدبلوماسية التي تلتزم بمبادئ القانون الدولي. وفي قراءة أخرى، يرى الناشط المغربي محمد قنديل أن احتفال الرباط بـ"النصر" كان مرتبطاً بتسويق صورة المنتصر رغم أن مضمون القرار لا يتضمن اعترافاً بالسيادة المغربية على الإقليم.

 جبهة البوليساريو: هل هي الخاسر أم الرابح بمقاييس الشرعية الدولية؟

بالنسبة للطرف الثاني، تمسك القرار بضرورة إيجاد "حل مقبول ودائم بين الطرفين"، وشدد على المرجعية الدولية المتمثلة في القرارات السابقة التي صدرت حول قضية الاستفتاء وحق تقرير المصير. وقد رفضت جبهة البوليساريو القرار رفضاً مطلقاً.

 تمديد المينورسو: انتصار لمبدأ تقرير المصير

إحدى النقاط الجوهرية التي تعزز موقف البوليساريو والدول الداعمة لحق تقرير المصير، مثل الجزائر، هي تمديد مهمة بعثة المينورسو لسنة كاملة. المينورسو تأسست أصلاً لتنظيم الاستفتاء، وتجديد مهمتها يؤكد على تكريس مبدأ حق تقرير المصير والاستفتاء، مما يعتبر تناقضاً مع تكريس مبدأ الحكم الذاتي كحل وحيد.

 وقد أصرت روسيا والصين على التذكير بأن الصحراء الغربية هي "إقليم غير مستقل".

 الموقف الجزائري: ذكاء الصمت والتأثير الدبلوماسي

اختارت الجزائر عدم المشاركة في عملية التصويت، بعد أن رفضت النص الذي لم يرتقِ إلى طموحاتها. هذا الموقف لم يكن مجرد حياد، بل كان خطوة سيادية محسوبة و"ذكاء دبلوماسيا" أربك حسابات القوى الكبرى. فالجزائر، التي ترفض أن يتم إقحامها كطرف مباشر في النزاع، كانت تدرك أن النص "مفخخ"، واعتبرت أن عدم مشاركتها يؤكد على أن القضية هي بين المغرب والشعب الصحراوي الذي يريد الاستفتاء. هذا الموقف أحبط محاولة المغرب لتسويق صورة "النصر الدبلوماسي"، وسحب من القرار وزنه الرمزي والسياسي.

ورفضت الجزائر بذلك أن تكون "شاهد زور" على مسار تفاوضي مبني على منطق "الحكم الذاتي" الذي يسلب لشعب الصحراء حقه الشرعي في تقرير مصيره.

 خيار "الحكم الذاتي": مجرد وثيقة "غير قابلة للتطبيق"؟

يصف الدكتور حسني عبيدي، في حوار مع قناة "الخبر تي في" النص، الذي خرج من مجلس الأمن، بأنه "نص مركّب" يسعى للموازنة بين الآراء المطروحة لضمان مرور القرار. هذا التوفيق بين الأطراف يجعل النص "ملتبساً وغامضاً". لكن اللافت في هذا السياق هو التقييم الرسمي لـ"مخطط الحكم الذاتي" المغربي نفسه. فقد كشف وزير الخارجية، أحمد عطاف، أن هذه الوثيقة التي تسوق لحل النزاع لا تتكون سوى من أربع صفحات وفقرة.

وقد وصفها الوزير بأنها "فاقدة لأي مضمون سياسي وقانوني" وتبدو مجرد "التماسات مبدئية وتصريحات نوايا".

وعلاوة على ذلك، كشف عطاف أن المبعوث الأممي الحالي للصحراء الغربية، "ستافان دي ميستورا"، أبلغ ممثل المغرب في اجتماعين مغلقين بأن "مخططكم يفتقر للجدية ونحن بحاجة إلى مزيد من المضمون".

وهذا يكشف أن الإطار الذي يُنظر إليه على أنه "تقدم مغربي" (الحكم الذاتي) لا يمثل القاعدة الوحيدة للحل، بل هو قاعدة لإيجاد حل على أساس الحكم الذاتي، لكنها ليست القاعدة الوحيدة. هذا ما يعيد "خطة الحكم الذاتي المغربية" إلى وضعها الحقيقي كوثيقة "لا قيمة لها ولا مضمون" في نظر الكثير من المحللين.

 القوى الكبرى: من الخاسر في ظل دبلوماسية "المقايضة والصفقات"؟

إن القراءة الأعمق للقرار تشير إلى أن الخاسر الأكبر بعد وهم "الانتصار المغربي" هو الشرعية الدولية نفسها. وضمن هذا المنظور، يظهر إلى العيان أن ما يحدث هو بالفعل "انقلاب على الشرعية الدولية" وعلى القانون الدولي. لقد أصبحت الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، "تتنكر من مسؤولياتها القانونية والدولية".

فخطوة الولايات المتحدة التي سعت لضمان هيمنتها على عملية المفاوضات قد تشكل أحد أكبر عوامل التعطيل بسبب عدم احترام واشنطن لمبدأ الإنصاف بين طرفي النزاع. يأتي هذا القرار في سياق تغلب عليه فكرة "الترامبية" التي قد تستمر حتى بعد زوال ترامب، حيث يُنظر إلى المقايضة والاقتصاد كمفتاح لحل النزاعات.

 وقد حذر الدبلوماسي عبد العزيز رحابي من خطورة انزلاق صلاحيات مجلس الأمن نحو الخضوع للسلطات المتعجرفة للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن "الدبلوماسية الصفقاتية" التي يتبناها ترامب لا تتوافق مع الأسس المذهبية لدبلوماسية الجزائر وأمنها القومي.

 وفي النهاية، فإن هذا القرار الصادر تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة يجعله غير ملزم قانونياً ولا قابلاً للتنفيذ. الهدف من هذه الصيغة المزدوجة والمقصودة هو إبقاء النزاع في حالة تجميد تسمح للدول الكبرى بالمناورة والتحكم في إيقاع الأحداث بما يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة.

 القرار أصبح قاعدة للمفاوضات وليس الحل النهائي يمكن تلخيص المشهد بعد تصويت مجلس الأمن بالقول إن القرار أصبح قاعدة للمفاوضات، لكنه ليس الحل النهائي.

لقد منح القرار صلاحية كبيرة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، "ستافان دي ميستورا"، للاجتهاد والتشاور مع الأطراف الأخرى لإيجاد "حل سلمي وعادل".

 وفي ظل التناقضات الواضحة في النص، والموقف السيادي الرافض للانخراط في القرار من قبل الجزائر، والترحيب المغربي المشروط بالاعتراف بالحكم الذاتي كإطار أوحد، فإننا أمام حالة من "الجمود" أو "الستاتيكو" في العلاقات الإقليمية.

يبقى هذا القرار أشبه بلوحة فسيفساء دبلوماسية، نجح كل طرف في انتزاع قطعة منها، لكن اللوحة بأكملها لا تزال غير مكتملة، بل لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، وهو ما يجعل موقف الجزائر المبدئي من قضية الصحراء الغربية يعكس نجاح واستمرار عقيدتها الدبلوماسية الثابتة في دعم كل القضايا العادلة ضمن مواثيق الأمم المتحدة، وقضية الشعب الفلسطيني نموذج آخر في ممارسة هذا الدعم.