مع بداية كل صيف، تتحول ولاية المدية إلى خلية نحل من التخطيط العائلي لقضاء عطلة موسمية تُنسيهم تعب عامٍ طويل. حرارة الطقس، خاصة في شهري جويلية وأوت، تدفع الكثيرين للبحث عن وجهات تضمن الراحة والانتعاش، لكن الخيارات تظل محدودة أمام القدرة الشرائية المتفاوتة والواقع الجغرافي لولاية لا تطل على البحر ولا تحظى بمرافق سياحية كبرى.
"الضاية" "الشفة" "بن شكاو"... وجهات الهروب من صخب المدينة...
الخيار الأول الذي تلجأ إليه العديد من العائلات هو الاستنجاد بالمناطق الغابية والجبلية داخل الولاية، التي وإن كانت تفتقر للبنية التحتية والمرافق، إلا أنها تمنحهم فرصة للاسترخاء وسط الطبيعة، بعيداً عن ضجيج المدن. وجهات مثل “الضاية” ببلدية تمزقيدة، و“الشفة”، و“بن شكاو”، تتحول إلى محجّ عائلي أسبوعي، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع. يقول عبد العزيز "نحن نخرج كل أسبوع إلى الضاية، نحمل معنا الطعام والماء وبعض الكراسي، نقضي النهار هناك وسط الخضرة والهواء البارد. لا توجد مرافق، لكن الطبيعة تعوض كل شيء." رغم بساطة المكان، إلا أن الزوار يجدون فيه سكينة تفتقدها المدينة، فالأطفال يمرحون بحرية، والأمهات يجدن متعة الطهي في الهواء الطلق، والآباء يستمتعون بجلسة شاي تحت ظلال الأشجار. لكن المشكل، كما يؤكده البعض، في غياب دورات المياه، أماكن مخصصة للقمامة، أو حتى ممرات آمنة....ولما لا خط تليفيلك كالذي هو مخصص لمنطقة الشريعة ...قد يسهل من الوصول إلى الضاية ويجنبنا الازدحام المروري يقول أحد الزوار.
البحر... الحلم الذي لا يُقاوَم....
تبقى المدن الساحلية وشواطئ البحر الوجهة المفضلة لأغلب العائلات، التي تستعد لها بشغف كبير، فتيبازة، بومرداس، وحتى مستغانم وبجاية وجيجل، تتحول إلى محطات صيفية تقصدها عائلات المدية على دفعات، إما بسياراتها الخاصة أو ضمن رحلات جماعية منظمة. رضا، شاب من إحدى بلديات الولاية، يروي تجربته قائلاً: "نسافر غالباً إلى شاطئ الحمدانية بتيبازة. الطريق طويل ومتعب لكن البحر يستحق. أحياناً نذهب في مجموعة مع أصدقاء .. نقضي يوما كاملا إلى غاية المساء ...وتُعد شواطئ تيبازة الأقرب والأكثر استقطاباً، لكن مع تزايد أعداد المصطافين، تصبح مشكلة الازدحام وعدم توفر مواقف السيارات أمراً مزعجاً، احمد رب عائلة، يقول اعتدت رفقة عائلتي إلى قضاء العطلة بمدينة جيجل وشواطئها الساحرة، لأقضي على الأقل أسبوعين "الأسعار أصبحت مرتفعة، مجرد كراء شقة لليلة واحدة قد يكلفنا أكثر من 4000 دينار لليلة الواحدة، إضافة لمصاريف النقل والأكل. لهذا نكتفي بيوم واحد فقط نعود بعده مرهقين".
وعلى الجانب الآخر، يختار بعض الشباب الرحلات اليومية المنظمة، التي يوفرها بعض أصحاب الحافلات أو جمعيات محلية بأسعار تناسب ذوي الدخل المحدود، حيث يكون الانطلاق غالباً فجراً والعودة بعد غروب الشمس، وهي مغامرة تحمل الكثير من المرح، رغم التعب.. يقول عبد الرحيم: "رحلات البحر الجماعية فرصة رائعة، نلتقي بأشخاص جدد ونستمتع بأجواء البحر، وكل ذلك بمبلغ لا يتجاوز 1500 دينار".
وفي ظل محدودية غياب مرافق ترفيهية بديلة ومحدودية المسابح التي تتوفر عليها بلديات الولاية والتي لا تتعدى سبعة مسابح، يضطر البعض خاصة في المناطق الداخلية مرغمين إلى السباحة والعوم في السدود والمسطحات المائية، رغم خطورتها.
وتُسجَّل سنوياً عدة حالات غرق، خصوصاً وسط الشباب المراهقين الذين لا يجدون بديلاً يطفئ حرارة الصيف. ورغم التحذيرات وقرار منع السباحة في مثل هذه الأماكن الذي أطلقه مؤخرا والي المدية وتثبيت لافتات المنع، إلا أن الظاهرة تبقى قائمة مثلما حدث مؤخرا بسد بلدية ثلاثة الدوائر، الأمر الذي اضطر أعوان الحماية المدنية إلى التدخل لتوعية وتحسيس الشباب.
في ظل هذه الظروف، تظل العطلة الصيفية لدى عائلات المدية تجربة بسيطة تُصنع بإمكانيات محدودة، لكنها مليئة بالذكريات والابتسامات. فرغم أن المسافة تفصلهم عن البحر، والطبيعة قد لا تكون مثالية دائماً، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في خلق لحظات فرح ضمن الممكن، في انتظار أن تنال الولاية نصيبها من المشاريع السياحية التي طال انتظارها.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال