مجتمع

"جريمة عنصرية" ضد ممرضة جزائرية في ألمانيا

في ساعات الصباح الأولى من الجمعة 4 جويلية الجاري، هزت صرخات استغاثة أرجاء مبنى سكني بمدينة أرنوم.

  • 8006
  • 3:46 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

استيقظ حي سكني هادئ في بلدة أرنوم، التابعة لمدينة هيمينغن، المتواجدة في جنوب هانوفر، على جريمة عنصرية ضد الشابة الجزائرية رحمة عياض ذات الـ 26 عاما، من مدينة وهران، التي لقيت مصرعها، طعنا داخل شقتها، صباح الجمعة الماضي، في حادث أثار صدمة واسعة وسط الجالية الجزائرية بألمانيا، التي سارعت للتحرك بغية المطالبة بكشف ملابسات الجريمة ومعاقبة الجاني، بينما تترقب العائلة في الجزائر أخبار مصير التحقيقات.

في ساعات الصباح الأولى من الجمعة 4 جويلية الجاري، هزت صرخات استغاثة أرجاء مبنى سكني في أرنوم، حيث أبلغ الجيران الشرطة حوالي الساعة 10:30 صباحًا عن امرأة مصابة بجروح بليغة تتوسل للنجدة من درج العقار. 

عندما وصلت فرق الإسعاف والشرطة، كان المشهد مرعبًا: دماء تنساب نحو القبو، وجثة ملطخة بطعنات متكررة في الصدر والكتف، ورغم الجهود اليائسة لإنعاشها، أُعلن عن وفاتها بعد دقائق، لكن هوية الضحية ظلت مجهولة في تلك اللحظة، كما لم يُعرف المشتبه به.

في خطوة فورية، ألقت الشرطة القبض على رجل ألماني يبلغ 31 عاما داخل شقته، استنادا إلى شهادات الجيران الذين رأوا ما حدث. 

لكن التحقيقات لا تزال في مراحلها الأولية، ولم يتم تصنيف المشتبه به رسميا كمجرم بعد، حيث تعمل السلطات على جمع الأدلة لتحديد دوره بدقة.

هوية الضحية تتكشف تدريجيا

مع بداية يوم الثلاثاء 8 جويلية 2025، نجحت الجالية الجزائرية في كشف هوية الضحية، التي تبين أنها رحمة عياض، شابة طموحة ومفعمة بالحياة، مولودة في 14 أغسطس 1998 بمدينة وهران بالجزائر، قدمت إلى ألمانيا حيث كرست نفسها للتدريب في مجال التمريض، متمتعة بسمعة رائعة بين زملائها بفضل حسن خلقها وروحها المتواضعة، مما جعل خبر مقتلها في هجوم دموي صدمة مدوية هزت الجميع. 

في خطوة سريعة، تحركت الجالية الجزائرية عبر جهود أطراف عديدة تواصلت مع مراسل "القدس العربي" الناشط حمزة علال شريف، الذي يقطن بالقرب من مسرح الجريمة، لتنسيق الجهود وإبلاغ عائلتها في الجزائر، إلى جانب متابعة تطورات التحقيقات.

وأعربت الجالية عن قلقها البالغ، مؤكدة شكوكها في أن الجريمة قد تكون مدفوعة بدوافع عنصرية، مستندة إلى شهادات تشير إلى مضايقات متكررة تعرضت لها رحمة من الجار المشتبه به.

وحسب مواقع صحفية ألمانية، لم تحدد الشرطة بعد الدافع وراء الجريمة، ولم تكشف عن طبيعة العلاقة بين الضحية والمشتبه به، مما يزيد من تعقيد القضية. 

وأشارت الجالية الجزائرية، التي قامت بالعديد من الاتصالات بالقنصلية الجزائرية للتدخل، إلى أن الجار المشتبه به قد يكون تابعا لدوافع عنصرية، استنادا إلى تصرفاته السابقة.

حمزة علال شريف أفاد بأن الجالية حاولت جمع تبرعات لنقل جثمان رحمة، لكن القنصلية أبلغتهم أن الدولة الجزائرية ستتحمل تلك النفقات.

جهود التحقيق والأدلة المروعة

أغلقت فرق التحقيق الموقع مؤقتا لجمع الأدلة، بينما تجري عملية تشريح لتحديد تفاصيل الوفاة. شهود عيان وصفوا المشهد بأنه "مروع"، مع طعنات عميقة في الصدر والكتف تشير إلى عنف غير مسبوق. وتعتزم الشرطة استجواب المزيد من الجيران، وتتساءل عما إذا كانت هناك صلة بمحاولة هجوم سابق في أبريل على متسابقة جري، لكن لم يتم تأكيد ذلك.

احتجاجات ومطالب بالعدالة

شهدت الأخبار تكشفا تدريجيا لتفاصيل القضية، مدفوعة بحركة الجالية الجزائرية والعربية وأصدقاء الضحية، الذين أعلنوا عن وقفة احتجاجية مساء الثلاثاء أمام منزل رحمة في أرنوم. ويطالب المحتجون بالعدالة والاقتصاص من "المجرم الحقيقي"، بينما تعيش الجالية في حالة غضب وحزن.

 وعبر سكان أرنوم، الذين اعتادوا الهدوء، عن خوفهم، وقال أحد الجيران: "لم نكن نتوقع هذا العنف هنا". وتتابع السلطات الألمانية التحقيق بحذر، بينما تتعهد القنصلية الجزائرية بمتابعة القضية.

وكانت ألمانيا قد سجلت العام الماضي أكثر من 33 ألف جريمة عنصرية في عدد قياسي غير مسبوق منذ بدء إحصاء هذه الجرائم عام 2001.

وحسب رد وزارة الداخلية الألمانية على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب "اليسار"، كان معظم تلك الجرائم في إطار الدعاية والتحريض على الكراهية.

ووفقا للرد الذي أطلعت عليه وكالة الأنباء الألمانية، سجلت الشرطة إجمالا 33 ألفا و963 جريمة ذات دوافع يمينية حتى 30 نوفمبر الماضي، وكان من بينها 1136 جريمة عنف تتمثل معظمها في التسبب في إصابات جسدية. وكان نحو ثلثي الجرائم اليمينية (21 ألفا و311 جريمة) يقع في نطاق الجرائم الدعائية، بينما تم تصنيف 5 آلاف و97 جريمة أخرى على أنها إثارة فتن.

ولا توجد أرقام لشهر ديسمبر الماضي حتى الآن، ولا يزال من الممكن إجراء تعديلات وإضافة بيانات لاحقا. لذلك، فإنه من المتوقع أن يكون العدد الإجمالي أعلى من ذلك.

وكانت إحصائيات الجرائم ذات الدوافع السياسية قد أظهرت مستوى قياسيا من الجرائم اليمينية المتطرفة في عام 2023 بإجمالي 28 ألفا و945 جريمة. وبالمقارنة، ارتفع العدد العام الماضي بنسبة 34  .17 بالمائة على الأقل.

ووصفت النائبة البرلمانية عن حزب "اليسار"، مارتينا رينر، الأرقام الجديدة بأنها مثيرة للقلق، وقالت: "غالبية مرتكبي أعمال العنف من البالغين، لكن هناك تزايدا أيضا في نسبة مرتكبي أعمال العنف من الشباب".

وأضافت أنه لا تلوح في الأفق حتى الآن اتخاذ تدابير سياسية جذرية للتصدي لذلك، وقالت: "في كثير من الأحيان، يتم مكافحة اليمين فقط في المؤتمرات الصحفية. ويقع على عاتق المجتمع المدني إظهار الاستمرارية والتصميم الذي تفتقر إليه السياسة".